للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْكَافِرِينَ} [الْبَقَرَةِ: ٨٩] وَقَالَ تَعَالَى: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ، الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ} [الْبَقَرَةِ: ١٤٦، ١٤٧] .

وَإِنِ انْتَفَى عَمَلُ الْقَلْبِ مِنَ النِّيَّةِ وَالْإِخْلَاصِ وَالْمَحَبَّةِ وَالْإِذْعَانِ مَعَ انْقِيَادِ الْجَوَارِحِ الظَّاهِرَةِ, فَكُفْرُ نِفَاقٍ, سَوَاءٌ وُجِدَ التَّصْدِيقُ الْمُطْلَقُ أَوِ انْتَفَى, وَسَوَاءٌ انْتَفَى بِتَكْذِيبٍ أَوْ شَكٍّ, قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ} إِلَى قَوْلِهِ: {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [الْبَقَرَةِ: ٨-٢٠] .

وَإِنِ انْتَفَى عَمَلُ الْقَلْبِ وَعَمَلُ الْجَوَارِحِ مَعَ الْمَعْرِفَةِ بِالْقَلْبِ وَالِاعْتِرَافِ بِاللِّسَانِ, فَكُفْرُ عِنَادٍ وَاسْتِكْبَارٍ, كَكُفْرِ إِبْلِيسَ وَكُفْرِ غَالِبِ الْيَهُودِ الَّذِينَ شَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَلَمْ يَتَّبِعُوهُ أَمْثَالِ: حُيَيِّ بْنِ أَخْطَبَ وَكَعْبِ بن الأشرف وغيرهما, وَكَفْرِ مَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ عِنَادًا وَاسْتِكْبَارًا, وَمُحَالٌ أَنْ يَنْتَفِيَ انْقِيَادُ الْجَوَارِحِ بِالْأَعْمَالِ الظَّاهِرَةِ مَعَ ثُبُوتِ عَمَلِ الْقَلْبِ, قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ, وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ, أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ" ١.

وَمِنْ هُنَا يَتَبَيَّنُ لَكَ أَنَّ مَنْ قَالَ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ فِي الْإِيمَانِ: هُوَ التَّصْدِيقُ عَلَى ظَاهِرِ اللُّغَةِ, أَنَّهُمْ إِنَّمَا عَنَوُا التَّصْدِيقَ الْإِذْعَانِيَّ الْمُسْتَلْزِمَ لِلِانْقِيَادِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا بِلَا شَكٍّ, لَمْ يَعْنُوا مُجَرَّدَ التَّصْدِيقِ فَإِنَّ إِبْلِيسَ لَمْ يُكَذِّبْ فِي أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى لَهُ بِالسُّجُودِ وَإِنَّمَا أَبَى عَنْ الِانْقِيَادِ كُفْرًا وَاسْتِكْبَارًا, وَالْيَهُودُ كَانُوا يَعْتَقِدُونَ صِدْقَ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَتَّبِعُوهُ, وَفِرْعَوْنُ كَانَ يَعْتَقِدُ صِدْقَ مُوسَى وَلَمْ يَنْقَدْ, بَلْ جَحَدَ بِآيَاتِ اللَّهِ ظُلْمًا وَعُلُوًّا, فَأَيْنَ هَذَا مِنْ تَصْدِيقِ مَنْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِ: {وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} [الزُّمَرِ: ٣٣] الْآيَاتِ؟! وَأَيْنَ تَصْدِيقُ مَنْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِمْ: {قَالُوا سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا} ، {قَالُوا أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ


١ رواه البخاري "١/ ١٢٦" في الإيمان، باب فضل من استبرأ لدينه, ومسلم "٣/ ١٢١٩-١٢٢١/ ح١٠٧" في المساقاة، باب أخذ الحلال وترك الشبهات.

<<  <  ج: ص:  >  >>