ومع ذلك فقلما يخلو - مبحث من هذه المباحث من ذكر للبدعة - إما قصداً وإما عرضاً واستطراداً، على رشاقة في عبارته، وسلاسة في أسلوبه، ولذلك لا تجد كلامه عن البدعة والمبتدعة في مكان واحد، بل مبثوث في هذا الكتاب، الذي قال عنه في مقدمته أنه لم يسقه مساق التصنيف فتارة تجده يتكلم عن فرقة من الفرق، وتارة عن حكم تكفير المبتدعة، وتارة عن أقسام البدعة، وأخرى يورد النصوص المحذرة منها وهكذا ... وقد أكسبه نظره المتجرد عن التقليد جرأة على تناول الموضوعات، وشجاعة هجم بها على سائر المقالات، حتى أنه لشدة معاداته للتقليد في العقائد والفروع أخذ على نفسه أن يقف على المسائل التي يتحدث عنها موقف الجهل الذي خرج به من بطن أمه، حتى يضطره اليقين المدعوم بالدليل إلى نيل مطلبه، إلا أنه لم يسلم له ذلك تماماً، فقد تأثر بابن الوزير وكان مراده - رحمه الله - بلوغ الحق وتحقيق الإنصاف بعيداً عن التعصب لقول فلان ورأي فلان، وهو في معظم أبحاثه على طريقة السلف، غير أنه احتوشته جرأته فوق بعض الهنات: كانتقاده للإمام أحمد، وابن معين، وابن المديني، والذهبي في رد روايات بعض المبتدعة وقبول روايات بعضهم، وكشكه في عدالة الصحابة وإضافته مذهب الزيدية إلى نفسه وقد تبرأ منه، وقوله بقول المعتزلة والأشاعرة في بعض مسائل القدر، وغير ذلك من المآخذ التي جاءت من رواسب نشأته القديمة، أو بسبب ردة فعلة الشديدة نحو التقليد، والمصنف من اغتفر قليل خطأ المرء في كثير صوابه، والرجل ما أراد إلا الحق، وما قصد سوى الإنصاف والله رؤوف بالعباد.