فيه، وبما ليس عند فاعله معرفة ولا برهان (فإن جميع البدع إنما هي رأي على غير أصل) .
والأصل الثاني في استعمال كلمة (بدع) هو: الانقطاع والكلال مأخوذ من الإبداع وهو المرض الذي يصيب الإبل فيمنعها عن المسير، من هزال أو عطب أو كلال.
فكأن العرب جعلوا الانقطاع الإبل عما كانت مستمرة عليه من عادة السير إبداعا ً، أي: إنشاء أمر خارج عما اعتيد منها.
وهذا المعنى ينطبق على البدعة بالمعنى الشرعي، إذ المبتدع حين ينشىء بدعته مضاد للشرع ومراغم له ((حيث نصب المبتدع نفسه نصب المستدرك على الشريعة، لا نصب المكتفي بما حد له)) .
وهذا هو عين الانقطاع، بل هو أشنع انقطاع وأخبثه، لأنه يزيح الإنسان عن تحصيل كمال خلقه بالعبودية التامة لله، والتي لا تتحقق إلا باتباع الشارع، ( ... فأكمل الخلق وأفضلهم وأعلاهم، وأقربهم إلى الله وأقواهم، وأهداهم أتمهم عبودية لله ... وهذا هو حقيقة دين الإسلام الذي أرسل الله به رسله، وانزل به كتبه، وهو أن يستسلم العبد لله لا لغيره مشرك، والمتنع عن الإسلام له مستكبر) .
فإذا حصل هذا الانقطاع تبعه انقطاع عن تحصيل لذاته في العاجلة والآجلة، بمرض قلبه واسوداده وانتكاسه (فإذا اسود وانتكس عرض له من هاتين الآفتين مرضان خطران متراميان به إلى الهلاك:
أحدهما: اشتباه المعروف عليه بالمنكر، فلا يعرف معروفا ً ولا ينكر منكرا ً وربما استحكم عليه هذا المرض حتى يعتقد المعروف منكرا ً والمنكر معروفا ً، والسنة