فهل يقال بأن هذا الأمر المحدث ليس ببدعة، لكونه لم يرفع سنة ثابتة، ولم يلغ حكما ً شرعيا ً باقي العلة؟ ..
إن البدعة منهي ٌ عنها سواء ً كانت في مقابل سنة أو لم تكن وسواء ٌ رفعت أمرا ً من الشرع أو لم ترفع.
فهذا الاشتراط في وصف البدعة منقوض بعموم النصوص الناهية عن البدع، والآثار السلفية الذامة لها، فلم يكن السلف رحمهم الله في نهيم عن البدع ينظرون إلى الأمر المبتدع بهذا المقياس، بل كانوا ينهون عن كل بدعة.. قابلت سنة ورفعت حكما ً أم لا.
وهذا الاشتراط عمدة من استحسن بعض البدع، وأضرب لذلك مثالاً واحدا ً: وهو احتجاج بعض المؤلفين بهذا الاشتراط الذي وضعه الغزالي، على جواز بدعة المولد النبوي، وجواز التزام عبادة معينة في وقت ٍ معينٍ لم يأمر بها الشرع.
فقال في معرض رده على الشاطبي حينما شبه اتخاذ يوم ولادة النبي صلى الله عليه وسلم بعمل أهل الجاهلية لكونه عيداً لم يشرعه الله ( ... إن تشبيهه من اتخذ يوم ولادة النبي صلى الله عليه وسلم عيداً أو من التزم عبادة ً معينة ً في وقت ٍ معين ٍ بمن فعل من الجاهليين ما فعل في دين إبراهيم من البدع غير مقبول، فالجاهليون الذين ضُرب بهم المثل خالفوا الأصل، وغيروا الحكم، وأبطلوا ما أمر الله به، واستدلوا به ما شاء لهم الهوى، ثم تأولوا ذلك وعللوا له، أما من حدد لنفسه كيفية خاصة للذكر أو هيئة معينة له، أو نحو ذلك، فلم يبطل شرعاً أو يسقط حكما ً أو يبدل آية، وصلاته هي الصلاة المعهودة، وذكره هو الذكر الوارد، وما دام لم يلزم الناس بما ألزم نفسه، ولم يفرضه عليهم كتشريع محتوم قصد به مشابهة الشارع فيما شرع فلا ينبغي تشبيهه بالجاهليين في تغييرهم شريعة إبراهيم عليه السلام) .
على هذا الكلام كثير من المآخذ بيد أن الذي يهمنا هنا هو قوله:(فلم يبطل شرعاً أو يسقط حكما ً أو يبدل آية) ، وهو شبيه بكلام الغزالي آنف