ولزيادة التوضيح ترد قصة ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ مع الذين اجتمعوا في مسجد الكوفة، يذكرون الله بصفةٍ جماعية، وبين أيديهم الصحى يذكرون بها فأنكر عليهم ابن مسعود وزجرهم واعتبر عملهم هذا بدعةَ ضلالةٍ، وإحداث على غير هدى، مع أن الذكر في اصله مشروع، وقد وردت أحاديث في فضله، وفضل المجتمعين على ذكر الله، وهو من أمور الخير بلا شك، ولكن ذلك لم يكن مانعاً من إنكار ابن مسعود وتبديعه لهذا العمل، ومع أنه من أعلم أهل زمانه بفضل الذكر ومجالسه، ولكنه لما رأى هؤلاء أحدثوا هيئةً للذكر، وطريقة يتعبدون بها، ولم يكن ذلك معهوداً في عهده ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنكر عليهم ـ رضي الله عنه ـ، وحصبهم حتى أخرجهم من المسجد، ولم ينقل عن أحد منهم أنه احتج بأن:"من استن خيراً فاستُن به كان له أجره كاملاً ومن أجور من استن به".
ولم يعتبر ابن مسعود الخيرية الحاصلة بالذكر، منفصلة عن الخيرية الحاصلة بالاتباع وترك الابتداع، ولذلك أنكر عليهم وبدَّع عملهم.
وهكذا يطرَّد هذا المعنى في سائر الأمور ...
ثم يقال لماذا يتمسّك المبتدع أو المحسن لبعض البدع بقوله:" من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة.. " الحديث. ويعرض عن قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ:" ... من رغب عن سنتي فليس مني "، مع أنهما متلازمان من حيث المعنى والمقصد.
وهكذا كان فهم السلف ـ رضوان الله عليهم ـ للسنة والمراد بها، كما قال عمر ابن عبد العزيز ـ رحمه الله:(سنَّ رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وولاة الأمر بعده سنناً، الأخذ بها تصديق بكتاب الله، واستعمال لطاعة الله، وقوة على دين الله، ليس لأحد تغييرها ولا تبديلها، ولا النظر في رأي من خالفها، ومن اقتدى بها مهتد، ومن انتصر بها منصور، ومن خالفها واتبع غير سبيل المؤمنين ولاه الله ما تولى، وأصلاه جهنم وساءت مصيراً) . وهذا سعيد بن المسيب ـ