فهل يمكن بعد كل هذا أن يقال بأن الشافعي يستحسن البدع، ويمدحها ويثني عليها، ويجيز التقرب بها إلى الله؟ .
وهل يعقل أن يكون مراد الشافعي بقوله في تعريف البدعة، تحسين المحدثات والحث على اعتناق ما تراه النفوس والعقول والأذواق حسناً؟ .. إن المقارنة بين كلامه في تعريف البدعة وكلامه في ذم الاستحسان يوجب على العاقل معرفة قدر هذا الإمام، فلا يرمه بهذه الداهية الدهياء، ولا ينسب إليه ما هو منه براء.
ذكر الذهبي في ترجمته عن عبد الله بن أحمد بن حنبل قال: سمعت محمد ابن داوود يقول: لم يلحظ في دهر الشافعي كله أن تكلم في شيء من الأهواء ولا نسب إليه ولا عرف به، مع بغضه لأهل الكلام والبدع) .
وذكر أن أحمد بن حنبل كان يقول:(ما رأيت أحداً أتبع للأثر من الشافعي) وذكر ابن الإمام سحنون قال: (لم يكن في الشافعي بدعة) ، ولو كان الشافعي ممن يستحسن البدع، أو يجيز وقوع بعضها شرعاً، لما استحق من هؤلاء الأئمة هذه الأوصاف، ولنقل عنه ولو مرة واحدة، أنه وصف بدعة الدين بأنها حسنة محمود.