وقد قال سبحانه وتعالى:(يا أيها الذين أمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم) وقال جل وعلا: (قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق ... ) .
فالله سبحانه لم يطالب العباد بترك الملذوذات من المباحات, وإنما طالبهم بالشكر عليها إذا تناولوها, وعدم الإسراف فيها, فالتحري للامتناع من تناول ما أباحه الله من غير موجب شرعي مفتتات على الشارع, وما جاء عن السلف من الامتناع عن بعض المباحات نجد أنهم إنما امتنعوا لعارض شرعي يشهد الدليل باعتباره, كالامتناع من التوسع لضيق ذات اليد أو لأن المتناول ذريعة إلى ما يكره أو يمنع, أو لأن في المتناول وجه شبهة تفطن إليه التارك ولم يتفطن إليه غيره ... ونحو ذلك من العوارض والأعذار المستساغة شرعاً.
ومن هذا الباب: الاقتصار في الأفعال والأحوال على ما يخالف محبة النفوس وحملها على ذلك في كل شيء من غير استثناء, فهو من قبيل التعمق والتشدد, لأنه قد عرف أن الشرع أباح أشياء فيها قضاء لنهمة النفس واستمتاع بما يلذ لها, فلو كانت مخالفة النفس على الإطلاق مما يحبه الشارع لما أمر بما فيه تحقيق متع النفس بل لأمر بالترك.
فمن عمد إلى مخالفة محبات النفس التي أبحها الشرع من غير غرض صحيح معتبر شرعاً, فهو مبتدع يتقرب إلى الله بما لم يشرعه, مثل محالفة النفس في النكاح, أو المنام أو بعض أنواع الطعام أول اللباس المباح, كل ذلك داخل تحت