هذا النوع من البدع الإضافية, الذي يقترب من البدع الحقيقية بل إن بعض أنواع هذا القسم هو من البدع الحقيقية بلا ريب ...
وإنما عدت من البدع الإضافية, لكون فاعلها يعتمد على بعض الأدلة التي تدعو للزهادة في الدنيا, والتخفف من مباحاتها, وبعض سير السلف-رحمهم الله- في ذلك مما قد يعد شبه استدلال, وقد مر أن البدعة الإضافية في إحدى جهتيها تتعلق بالسنة لأنها مستندة إلى دليل شرعي, وفي الجهة الأخرى بدعة, لأنها مستندة إلى شبهة لا إلى دليل.
ومن هذا الباب أن يكون للمكلف طريقان في سلوكه للأخرة, أحدهما سهل ميسور, والآخر شاق عسر, وكلاهما في التوصل إلى المطلوب على حد واحد فيأخذ المتشدد بالطريق الأصعب, الذي يشق عليه ويترك الطريق الأسهل بناء على أن التشديد على النفس من القربات, ومن الطرق التي يرضاها الشارع الرحيم ...
كالذي يجد للطهارة ماءين: ساخناً وبارداً فيتحرى البارد الشاق استعماله ويترك الآخر, فهذا لم يعط نفسه حقها الذي طلبه الشارع منه, وخالف دليل رفع الحرج, من غير معنى زائد.
وزعم بفعله هذا أن القصد إلى مكروهات النفس تشريع من الله, وتقدم بين يدي الشارع بعبادة غير مشروعة, وصار متبعاً لهواه, فتكون بدعته هذه إضافية تقترب من الحقيقية, إذ أن لها شبهة تعلق بالدليل الشرعي في قوله-صلى الله عليه وسلم-: (ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات؟ إسباغ الوضوء على المكاره) .