والقربة والتعبد لله مقتضى يوجب تحصيل هذا الفعل، لو كان مراداً لله شرعاً، فإذا لم يشرعه فهذا دليل على أنه في حقيقته ليس بقربة ولا عبادة صحيحة وإن تخيل المبتدع ذلك.
الثاني:
أن يكون المتروك مما هو معقول المعنى وليس هناك مقتضى لفعله أو سبب محوج لتقريره في عهد التشريع، فهذا إذا حدث أو حصل ما يوجب حدوثه فإنه يرجع إلى أصول الشريعة وكلياتها، للنظر فيه وإثبات حكم شرعي له، بالقياس أو الاستصلاح، أو غير ذلك من الأصول والقواعد والكليات الشرعية.
(كالنوازل الحادثة بعد وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم - فإنها لم تكن موجودة ثم سكت عنها مع وجودها، وإنما حدثت بعد ذلك، فاحتاج أهل الشريعة إلى النظر فيها، وإجرائها على ما تبين في الكليات التي كمل بها الدين وإلى هذا الضرب يرجع جميع ما نظر فيه السلف الصالح، مما لم يسنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على الخصوص، وهو معقول المعنى، كتضمين الصناع ... والجد مع الإخوة، وعول الفرائض، ومنه جمع المصحف ثم تدوين الشرائع، وما أشبه ذلك مما لم يحتج في زمانه - صلى الله عليه وسلم - إلى تقريره..) .
ومن هذا الوجه سمي مسكوتاً عنه، وإلا ففي الحقيقة ليس ثم مسكوت عنه بحال، بل هو إما منصوص وإما مقيس على النصوص، وإما له من عمومات النصوص وقواعد الشريعة ومقاصدها ما يدل على حكمه، وكل هذه من جملة الأدلة الشرعية فلا نازلة إلا ولها في الشريعة محل حكم.