فالذين يؤيدون القياس مطلقاً يقولون بالتعبد, وهم على خلاف في إيجاب التعبد به, أو جوازه, وهل هو ثابت بالعقل أم بالشرع أم بهما معاً؟
والذين يعارضون القياس مطلقاً يرون منع التعبد به, لعدم مشروعية القياس وبعضه غير متعبد به وهو الفاسد.
ومن هنا يمكن القول بأن الابتداع دخل من هذا الباب في كلا القولين المتقابلين, فالذي رد القياس ولم يعمل به على الإطلاق وقال بعدم مشروعيته قوله باطل, ومخالف لأدلة الشرع المثبتة للقياس الصحيح, ومعارض للشرع بإسقاط أصل ثبت اعتباره والعمل به, والتعبد لله من خلاله ...
وكل عمل كان بهذه المثابة فهو ابتداع, ولاسيما إذا انضم إليه قصد القربة ولا شك أن النافي للقياس مطلقاً يتعبد بهذا العمل, فمن هنا كان هذا العمل بدعة, لأنه إذا كان يصح إطلاق الابتداع على ترك فرع من الفروع الفقهية المشروعة, فكيف لا يصح إطلاق الابتداع بترك أصل يشهد له الجم الغفير من نصوص الكتاب والسنة, وأقوال السلف, وأفعالهم, وحكم العقل, والفطرة والطبع الإنساني؟.
قال ابن القيم- بعد أن حشد الأدلة على ثبوت القياس واعتباره-: ( ... وأما أحكامه الأمرية الشرعية فكلها هكذا, تجدها مشتملة على التسوية بين المتماثلين, وإلحاق النظير بنظيره, واعتبار الشيء بمثله, والتفريق بين المختلفين, وعدم تسوية أحدهما بالآخر, وشريعته-سبحانه- منزهة أن تنهى عن شيء لمفسدة فيه, ثم تبيح ما هو مشتمل على تلك المفسدة, أو مثلها أو أزيد عنها, فتمن جوز ذلك على الشريعة فما عرفها حق معرفتها ولا قدرها حق قدرها,