الظاهر, حتى فرقوا بين المتماثلين, وزعموا أن الشارع لم يشرع شيئاً لحكمة أصلاً, ونفوا تعليل خلقه وأمره, وجوزوا بل جزموا بأنه يفرق بين المتماثلين, ويقرن بين المختلفين في القضاء والشرع-إلى أن قال- ولكن ردوا من الحق المعلوم بالعقل والفطرة والشرع ما سلطوا عليهم به خصومهم وصاروا ممن رد بدعة ببدعة, وقابل الفاسد بالفاسد, ومكنوا خصومهم بما نفوه من الحق والرد عليهم, وبيان تناقضهم ومخالفتهم للشرع والعقل) .
ويقابل هؤلاء الذين بالغوا في نفي القياس: الطرف الآخر ال١ين بالغوا في إثباته وإعماله, فتجاوزوا به حدوده الصحيحة, وأغرقوا في اعتبار القياس حتى ولدوا به فروعاً كثيرة لم تقع, وتعمقوا فيه حتى خرجوا على نصوص الشريعة وناقضوها بالأقيسة الفاسدة, والرأي المذموم المعيب.
ومن هنا اعتبر هذا القول بدعة في دين الله سبحانه وتعالى فإن الرأي, إذا عارض السنة فهو بدعة وضلالة, بغض النظر عن حكم فاعله من حيث الإعذار أو عدمه, وإنما الكلام عن نفس القول أو العمل الذي حدث ...
وعلى هذا فتقديم القياس على النص الشرعي, أو اعتبار الأقيسة الفاسدة من الأمور المشروعة, أو توليد فروع على هذا النوع من الأقيسة الباطلة.. كل ذلك من الابتداع في دين الله, وإليه يتوجه الذم المنقول عن السلف, من مثل قول ابن مسعود رضي الله عنه: (لا يأتي عليكم زمان إلا وهو شر من الذي قبله, أما إني لا أقول أمير خير من أمير, ولا عام أخصب من عام, ولكن فقهاؤكم يذهبون, ثم لا تجدون منهم خلقاً, ويجيء قوم يقيسون الأمور برأيهم) .
وفي رواية: (ولكن ذهاب خياركم وعلمائكم, ثم يحدث قوم يقيسون الأمور برأيهم, فيهدم الإسلام ويثلم) .