بتلك الصورة، ولكن لما استفتي فيها والاستفتاء إذا وقع عن قضية معينة أو نوع فجاب المفتي عن ذلك خصه لكونه سئل عنه، لا لاختصاصه بالحكم، إلى أن قال والنوع الثاني من القياس أن ينص على حكم لمعنى من المعاني، ويكون ذلك المعنى موجوداً في غيره فإذا قام دليل من الأدلة على أن الحكم متعلق بالمعنى المشترك بين الأصل والفرع سوى بينهما، وكان هذا قياساً صحيحاً.
فهذان النوعان كان الصحابة والتابعون لهم بإحسان يستعملونهما وهما من باب فهم مراد الشارع، فإن الإستدلال بكلام الشارع يتوقف على أن يعرف ثبوت اللفظ عنه وعلى أن يعرف مراده باللفظ، وإذا عرفنا مراده فإن علمنا أنه حكم للمعنى المشترك لا لمعنى يخص الأصل أثبتنا الحكم حيث وجد المعنى المشترك، وإن علمنا أنه قصد تخصيص الحكم بمورد النص منعنا القياس ... ) .
وليس المقصود هنا التوسع في باب القياس، وإنما المقصود البيان بإجمال أن هذا الباب الذي ترتبت عليه كثير من الأحكام الفرعية قد حصل فيه شيء من الابتداع عند المتوسعين فيه والملغين له، وأن القول الوسط هو المعتبر شرعاً والمتعبد به ديناً، والمنقول بالأسانيد عن القرون الفاضلة، ومع هذا التقرير فلابد من التنبيه على أن الأئمة المجتهدين من أهل العلم والإيمان من سلك منهم مسلكاً فيه خطأ أو ابتداع فإن ذلك لا ينزل من مقدارهم، فهم على هدى من ربهم، بذلوا جهدهم في سبيل تحري الحق وإصابة الصواب، واتباع الدليل، وفيهم من العلم والتقوى والعبادة والزهادة ما يجعلهم من ذوي الدرجات العالية عند الله، وعند المؤمنين وهم حملة العلم وورثة الأنبياء، والموقعون عن رب العالمين والحاملون لألوية الحق والخير، ومناقبهم عديدة تجل عن الحصر، وهم مع كل هذه المنازل العالية غير معصومين من الخطأ والزلل، ولكنهم ينزهون عن قصد معارضة الشريعة أو مناقضة النصوص أو القول في دين الله بمجرد الهوى والشهوة، وبين الإقرار بفضلهم والاعتراف بإمكان مجانبة الصواب مع حصول العفو من الله لهم، ونيل