للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وَمِنْهَا: أَنْ يَمْنَعَ ذَاتَ الْجَمَالِ وَالْمَنْطِقِ الرَّخِيمِ أَنْ تُبَاشِرَ الْخُصُومَةَ وَيَأْمُرَهَا أَنْ تُوَكِّلَ وَكِيلًا.

قَالَ بَعْضُ الْأَئِمَّةُ: إذَا كَانَتْ الدَّعْوَى عَلَى امْرَأَةٍ شَابَّةٍ لَهَا جَمَالٌ وَيَخَافُ عَلَيْهَا إنْ تَكَلَّمَتْ أَنْ يُؤَدِّيَ سَمَاعُ كَلَامِهَا إلَى الشَّغَفِ بِهَا فَإِنَّهَا تُؤْمَرُ بِأَنْ تُوَكِّلَ، وَلَا يَكُونُ مِنْ حَقِّ الْخَصْمِ أَنْ يَأْتِيَ بِهَا إلَى مَجْلِسِ الْقَاضِي، وَإِنْ اُحْتِيجَ إلَى أَنْ يَبْعَثَ إلَيْهَا وَهِيَ بِدَارِهَا تُخَاطِبُ مِنْ وَرَاءِ سِتْرِهَا مَنْ بَعَثَهُ الْقَاضِي إلَيْهَا مِمَّنْ يُؤْمَنُ فِي دِينِهِ فَعَلَ.

وَمِنْهَا: أَنْ يُجِيبَ الْغَرِيمَ إذَا سَأَلَهُ رَفْعَ غَرِيمِهِ إنْ كَانَ فِي الْمِصْرِ أَوْ فِيمَا قَرُبَ مِنْهُ، فَإِذَا كَانَ بَعِيدًا لَمْ يُؤْمَرْ بِرَفْعِهِ حَتَّى يَتَرَجَّحَ جَانِبُهُ وَلَوْ بِإِخْبَارِ شَاهِدٍ.

وَمِنْهَا: إذَا لَمَزَهُ أَحَدُ الْخَصْمَيْنِ بِمَا يَكْرَهُ فَقَالَ لَهُ ظَلَمْتنِي وَأَرَادَ أَذَاهُ فَلْيُعَزِّرْهُ إنْ كَانَ الْقَاضِي مِنْ أَهْلِ الْفَضْلِ، وَالْعُقُوبَةُ فِي مِثْلِ هَذَا أَمْثَلُ مِنْ الْعُقُوبَةِ، وَهَذَا فِي اللَّمْزِ وَأَمَّا إذَا صَرَّحَ بِالْإِسَاءَةِ عَلَى الْقَاضِي فَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ يَجِبُ تَأْدِيبُ الْقَائِلِ.

وَمِنْهَا: أَنَّهُ إذَا أَدْلَى بِهِ الْخَصْمَانِ يَسْأَلُهُمَا، وَهُوَ شَأْنُ حُكَّامِ الْعَدْلِ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْخَصَّافُ.

وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ سَكَتَ عَنْهُمَا حَتَّى يَنْطِقَ أَحَدُهُمَا وَيَسْتَدْعِيَ مِنْ الْقَاضِي الْجَوَابَ، وَإِنْ شَاءَ سَأَلَهُمَا جَمِيعًا بِلَفْظِ التَّثْنِيَةِ فَقَالَ: مَالَكُمَا أَوْ مَا حَاجَتُكُمَا وَهُوَ الْمَذْهَبُ، " كَذَا فِي الْمُحِيطِ ".

وَقَالَ مَالِكٌ: إنَّهُ لَا يَسْأَلُ الْخَصْمَيْنِ إذَا دَخَلَا عَلَيْهِ مَنْ الْمُدَّعِي مِنْهُمَا، بَلْ يَسْكُتُ حَتَّى يَبْدَأَ أَحَدُهُمَا بِالْكَلَامِ، وَلَا يَخُصُّ أَحَدَهُمَا بِسُؤَالٍ، فَإِنَّ سُؤَالَ أَحَدِهِمَا يُشْعِرُ بِعِنَايَةِ الْقَاضِي بِهِ وَقَبُولِهِ عَلَيْهِ دُونَ خَصْمِهِ، وَالْقَاضِي مَأْمُورٌ بِالْعَدْلِ بَيْنَهُمَا فِي مَدْخَلِهِمَا إلَيْهِ فَلَا يَأْذَنُ لِأَحَدِهِمَا قَبْلَ الْآخَرِ، وَفِي مَخْرَجِهِمَا عَنْهُ فَلَا يَصْرِفُ أَحَدَهُمَا قَبْلَ الْآخَرِ، وَفِي لَحْظِهِ وَقَبُولِهِ بِوَجْهِهِ عَلَيْهِمَا، وَفِي كَلَامِهِ لَهُمَا.

وَقَدْ نَزَلَ ضَيْفٌ بِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فَخُوصِمَ عِنْدَهُ، فَأَمَرَ ضَيْفَهُ أَنْ يَتَحَوَّلَ عَنْهُ مِنْ مَنْزِلِهِ.

وَإِذَا قُلْنَا: إنَّهُ يَبْدَؤُهُمَا بِالسُّؤَالِ فَإِنْ قَالَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا: لَسْت مُدَّعِيًا أَقَامَهُمَا حَتَّى يَأْتِيَ أَحَدُهُمَا بِخَصْمِهِ فَيَكُونُ هُوَ الطَّالِبَ، فَإِنْ تَنَازَعَا فِيمَنْ هُوَ الْمُدَّعِي نُظِرَ إلَى الْجَالِبِ، فَإِنْ لَمْ يَعْرِفْهُ أَوْ لَمْ تَقُمْ بَيِّنَةٌ لِأَحَدِهِمَا أَنَّهُ هُوَ الَّذِي دَعَا صَاحِبَهُ إلَى الْحَاكِمِ أَمَرَهُمَا بِالِانْصِرَافِ، فَمَنْ أَبَى إلَّا الْمُحَاكَمَةَ فَهُوَ الْمُدَّعِي، فَإِنْ تَنَازَعَا مَعًا أَقْرَعَ بَيْنَهُمَا.

وَمِنْهَا: أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَسْتَحْلِفُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إذَا أَنْكَرَ إلَّا بِإِذْنِ الْمُدَّعِي، إلَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ شَاهِدِ الْحَالِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ تَحْلِيفَهُ مِنْ الْقَاضِي.

وَقَدْ ذُكِرَ عَنْ بَعْضِ الْقُضَاةِ أَنَّ رَجُلًا ادَّعَى عَلَى آخَرَ بِثَلَاثِينَ دِينَارًا فَأَنْكَرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، فَاسْتَحْلَفَهُ الْقَاضِي فَقَالَ الطَّالِبُ: لَمْ آذَنْ فِي هَذَا الْيَمِينِ وَلَمْ أَرْضَ بِهَا. وَلَا بُدَّ أَنْ تُعَادَ الْيَمِينُ، فَأَمَرَ الْقَاضِي غُلَامَهُ أَنْ يَدْفَعَ عَنْ الْمَطْلُوبِ مِنْ مَالِهِ ثَلَاثِينَ دِينَارًا كَرَاهَةَ أَنْ يُكَلِّفَهُ إعَادَةَ الْيَمِينِ الَّتِي قُضِيَ عَلَيْهِ بِهَا، وَإِذَا اسْتَحْلَفَهُ فَلَا بُدَّ مِنْ حُضُورِ الْمَحْلُوفِ لَهُ أَوْ وَكِيلِهِ.

وَمِنْهَا إذَا ذَكَرَ الْمُدَّعِي دَعْوَاهُ كَلَّفَ الْخَصْمَ الْجَوَابَ عَنْهَا مَكَانَهُ إنْ فَهِمَهَا وَأَحَاطَ بِهَا عِلْمًا، وَإِنْ كَانَ فِيهَا إشْكَالٌ أَوْ طُولٌ أُمْهِلَ بِحِسَابِ ذَلِكَ.

وَمِنْهَا: إذَا أَقَرَّ الْخَصْمُ كَتَبَ إقْرَارَهُ وَالتَّارِيخَ فِي رُقْعَةٍ وَأَمَرَ الْمُقِرَّ بِالْخُرُوجِ عَمَّا وَجَبَ عَلَيْهِ بِإِقْرَارِهِ.

وَمِنْهَا: أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِلْقَاضِي أَنْ يُرَاقِبَ أَحْوَالَ الْخُصُومِ عِنْدَ الْأَدَاءِ بِالْحُجَجِ وَدَعْوَى الْحُقُوقِ، فَإِنْ تَوَسَّمَ فِي أَحَدِ الْخَصْمَيْنِ أَنَّهُ أَبْطَنُ شُبْهَةً أَوْ اتَّهَمَهُ بِدَعْوَى الْبَاطِلِ إلَّا أَنَّ حُجَّتَهُ فِي الظَّاهِرِ مُتَّجِهَةٌ وَكِتَابَ الْحَقِّ الَّذِي بِيَدِهِ مُوَافِقٌ لِظَاهِرِ دَعْوَاهُ فَلْيَتَلَطَّفْ الْقَاضِي فِي الْفَحْصِ وَالْبَحْثِ عَنْ حَقِيقَةِ مَا تَوَهَّمَ فِيهِ، فَإِنَّ النَّاسَ الْيَوْمَ كَثُرَتْ مُخَادَعَتُهُمْ وَاتُّهِمَتْ أَمَانَتُهُمْ، فَإِنْ لَمْ يَنْكَشِفْ لَهُ مَا يَقْدَحُ فِي دَعْوَاهُ فَحَسَنٌ أَنْ يَتَقَدَّمَ إلَيْهِ بِالْمَوْعِظَةِ إنْ

<<  <   >  >>