[٢٥٥٢] قوله (للذين أحسنوا) أَيِ الَّذِينَ أَجَادُوا الْأَعْمَالَ الصَّالِحَةَ فِي الدُّنْيَا وَقَرَّبُوهَا بِالْإِخْلَاصِ الْحُسْنَى أَيِ الْمَثُوبَةُ الْحُسْنَى وَهِيَ الْجَنَّةُ وَزِيَادَةٌ أَيِ النَّظَرُ لِوَجْهِهِ الْكَرِيمِ وَنَكَّرَهَا لِتُفِيدَ ضَرْبًا مِنَ التَّفْخِيمِ وَالتَّعْظِيمِ بِحَيْثُ لَا يُعْرَفُ قَدْرُهَا وَلَا يُكْتَنَهُ كُنْهُهَا (نَادَى مُنَادٍ إِنَّ لَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ مَوْعِدًا) أَيْ بَقِيَ شَيْءٌ زَائِدٌ مِمَّا وَعَدَهُ اللَّهُ لَكُمْ مِنَ النِّعَمِ وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ يَقُولُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى تُرِيدُونَ شَيْئًا أَزِيدُكُمْ (وَيُنَجِّنَا) بِتَشْدِيدِ الْجِيمِ وَيُخَفَّفُ (مِنَ النَّارِ) أَيْ دُخُولِهَا وَخُلُودِهَا
قَالَ الطِّيبِيُّ تَقْرِيرٌ وَتَعْجِيبٌ مِنْ أَنَّهُ كَيْفَ يُمْكِنُ الزِّيَادَةُ عَلَى مَا أَعْطَاهُمُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ سَعَةِ فَضْلِهِ وَكَرْمِهِ (قَالُوا بَلَى) كَذَا فِي النُّسَخِ الْمَوْجُودَةِ قَالُوا بِصِيغَةِ الْجَمْعِ وَالظَّاهِرُ أَنْ يَكُونَ قَالَ بِصِيغَةِ الْإِفْرَادِ لِأَنَّ الضَّمِيرَ يَرْجِعُ إِلَى مُنَادٍ (فَيُكْشَفُ الْحِجَابُ) وَزَادَ مُسْلِمٌ فَيَنْظُرُونَ إِلَى وَجْهِ اللَّهِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْحِجَابِ حِجَابُ النُّورِ الَّذِي وَقَعَ فِي حَدِيثِ أَبِي مُوسَى عِنْدَ مُسْلِمٍ وَلَفْظُهُ حِجَابُهُ النُّورُ لَوْ كَشَفَهُ لَأَحْرَقَتْ سُبُحَاتُ وَجْهِهِ مَا انْتَهَى إِلَيْهِ بَصَرُهُ مِنْ خَلْقِهِ قَالَ الطِّيبِيُّ فِي شَرْحِ حَدِيثِ أَبِي مُوسَى هَذَا إِنَّ فِيهِ إِشَارَةً إِلَى أَنَّ حِجَابَهُ خِلَافُ الْحُجُبِ الْمَعْهُودَةِ فَهُوَ محتجب عن الخلق بأنوار عزه وجلا له وَأَشِعَّةِ عَظَمَتِهِ وَكِبْرِيَائِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْحِجَابُ الَّذِي تُدْهَشُ دُونَهُ الْعُقُولُ وَتُبْهَتُ الْأَبْصَارُ وَتَتَحَيَّرُ الْبَصَائِرُ فَلَوْ كَشَفَهُ فَتَجَلَّى لِمَا وَرَاءَهُ بِحَقَائِقِ الصِّفَاتِ وَعَظَمَةِ الذَّاتِ لَمْ يَبْقَ مَخْلُوقٌ إِلَّا احْتَرَقَ وَلَا مَنْظُورٌ إِلَّا اضْمَحَلَّ
وَأَصْلُ الْحِجَابِ السِّتْرُ الْحَائِلُ بَيْنَ الرَّائِي وَالْمَرْئِيِّ وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا مَنْعُ الْأَبْصَارِ مِنَ الرُّؤْيَةِ لَهُ بِمَا ذُكِرَ فَقَامَ ذَلِكَ الْمَنْعُ مَقَامَ السِّتْرِ الْحَائِلِ فَعَبَّرَ بِهِ عَنْهُ وَقَدْ ظَهَرَ مِنْ نُصُوصِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ أَنَّ الْحَالَةَ الْمُشَارَ إِلَيْهَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ هِيَ فِي دَارِ الدُّنْيَا الْمُعَدَّةِ لِلْفِنَاءِ دُونَ دَارِ الْآخِرَةِ الْمُعَدَّةِ لِلْبَقَاءِ
وَالْحِجَابُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَغَيْرِهِ يَرْجِعُ إِلَى الْخَلْقِ لِأَنَّهُمْ هُمُ الْمَحْجُوبُونَ عَنْهُ
وَحَدِيثُ صُهَيْبٍ هَذَا أَخْرَجَهُ أيضا مسلم والنسائي وبن خزيمة وبن حِبَّانَ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ إِنَّمَا أَسْنَدَهُ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ وَرَفَعَهُ إِلَخْ) قَالَ النَّوَوِيُّ هَذَا الحديث
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute