قَوْلُهُ (فِي قَوْلِهِ تَعَالَى) أَيْ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى (كُنْتُمْ) يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ فِي عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى (خَيْرَ أُمَّةٍ) أَيْ خَيْرَ الْأُمَمِ (أُخْرِجَتْ) أَيْ أُظْهِرَتْ (قَالَ) أَيِ النَّبِيُّ (إِنَّكُمْ تُتِمُّونَ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ فَتَشْدِيدٍ مِنَ الْإِتْمَامِ أَيْ تُكْمِلُونَ (سَبْعِينَ أُمَّةً) أَيْ يَتِمُّ الْعَدَدُ بِكُمْ سَبْعِينَ وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ لِلتَّكْثِيرِ قَالَهُ الْمُنَاوِيُّ فَقَالَ الطِّيبِيُّ الْمُرَادُ بِسَبْعِينَ التَّكْثِيرُ لَا التَّحْدِيدُ لِيُنَاسِبَ إِضَافَةَ الْخَيْرِ إِلَى الْمُفْرَدِ النَّكِرَةِ لِأَنَّهُ لِاسْتِغْرَاقِ الْأُمَمِ الْفَائِتَةِ لِلْحَصْرِ بِاعْتِبَارِ أَفْرَادِهَا أَيْ إذا نقصت أمة أُمَّةٌ مِنَ الْأُمَمِ كُنْتُمْ خَيْرَهَا وَتُتِمُّونَ عِلَّةٌ لِلْخَيْرِيَّةِ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْخَتْمُ فَكَمَا أَنَّ نَبِيَّكُمْ خَاتَمُ الْأَنْبِيَاءِ أَنْتُمْ خَاتَمُ الْأُمَمِ انْتَهَى
وَفِي الْحَدِيثِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ تعالى (كنتم خير أمة) أمة النبي عامة
قال الحافظ بن كَثِيرٍ يُخْبِرُ تَعَالَى عَنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ الْمُحَمَّدِيَّةِ بِأَنَّهُمْ خَيْرُ الْأُمَمِ
فَقَالَ تَعَالَى كُنْتُمْ خَيْرَ أمة أخرجت للناس رَوَى الْبُخَارِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عنه (كنتم خير أمة أخرجت للناس) قَالَ خَيْرُ النَّاسِ لِلنَّاسِ تَأْتُونَ بِهِمْ فِي السَّلَاسِلِ فِي أَعْنَاقِهِمْ حَتَّى يَدْخُلُوا فِي الْإِسْلَامِ
وهكذا قال بن عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ وَعَطِيَّةُ الْعَوْفِيُّ وَعِكْرِمَةُ وَعَطَاءٌ وَالرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ) يَعْنِي خَيْرَ النَّاسِ لِلنَّاسِ وَالْمَعْنَى أَنَّهُمْ خَيْرُ الْأُمَمِ وَأَنْفَعُ النَّاسِ لِلنَّاسِ وَلِهَذَا قَالَ (تَأْمُرُونَ بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله) وَرَوَى أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ وَالنَّسَائِيُّ فِي سُنَنِهِ والحاكم في مستدركه عن بن عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أخرجت للناس) قَالَ هُمُ الَّذِينَ هَاجَرُوا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ
وَالصَّحِيحُ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ عَامَّةٌ فِي جَمِيعِ الْأُمَّةِ كُلُّ قَرْنٍ بِحَسْبِهِ وَخَيْرُ قُرُونِهِمُ الَّذِينَ بُعِثَ فِيهِمْ رَسُولُ الله ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ كَمَا قَالَ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وسطا أَيْ خِيَارًا (لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ) الْآيَةَ إِنَّمَا حَازَتْ هَذِهِ الْأُمَّةُ قَصَبَ السَّبْقِ إِلَى الْخَيْرَاتِ بِنَبِيِّهَا مُحَمَّدٍ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَسَلَامُهُ فَإِنَّهُ أَشْرَفُ خَلْقِ اللَّهِ وَأَكْرَمُ الرُّسُلِ عَلَى اللَّهِ وَبَعَثَهُ اللَّهُ بِشَرْعٍ كَامِلٍ عَظِيمٍ لَمْ يُعْطَهُ نَبِيٌّ قَبْلَهُ وَلَا رَسُولٌ مِنَ الرُّسُلِ فَالْعَمَلُ عَلَى مِنْهَاجِهِ وَسَبِيلِهِ يَقُومُ الْقَلِيلُ مِنْهُ مَا لَا يَقُومُ الْعَمَلُ الْكَثِيرُ مِنْ أَعْمَالِ غيرهم مقامه انتهى كلام الحافظ بن كَثِيرٍ مُلَخَّصًا
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ) وَأَخْرَجَهُ أحمد وبن مَاجَهْ وَالدَّارِمِيُّ وَالطَّبَرَانِيُّ وَالْحَاكِمُ
قَالَ الْحَافِظُ هُوَ حَدِيثٌ مَشْهُورٌ وَقَدْ حَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ وَيُرْوَى مِنْ حَدِيثِ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ وَأَبِي سَعِيدٍ نَحْوِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute