للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَيْ فِيمَا نَزَّلَ عَلَيْكُمْ أَنْ يَشْهَدَ بَيْنَكُمُ اثْنَانِ وَأَضَافَ الشَّهَادَةَ إِلَى الْبَيْنِ تَوَسُّعًا لِأَنَّهَا جارية بينهم وإذا حضر ظرف للشهادة وحين الْوَصِيَّةِ بَدَلٌ مِنْهُ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ يَعْنِي مِنْ أَهْلِ دِينِكُمْ وَمِلَّتِكُمْ يَا مَعْشَر الْمُؤْمِنَينَ

وَقِيلَ مَعْنَاهُ مِنْ أَقَارِبِكُمْ وَهُمَا صِفَتَانِ لِاثْنَانِ

واختلفوا فِي هَذَيْنِ الِاثْنَيْنِ فَقِيلَ هُمَا الشَّاهِدَانِ اللَّذَانِ يَشْهَدَانِ عَلَى وَصِيَّةِ الْمُوصِي وَقِيلَ هُمَا الْوَصِيَّانِ لِأَنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِيهِمَا وَلِأَنَّهُ قَالَ تَعَالَى فَيُقْسِمَانِ بِاَللَّهِ

وَالشَّاهِدُ لَا يَلْزَمُهُ يَمِينٌ وَجَعَلَ الْوَصِيَّ اثْنَيْنِ تَأْكِيدًا فَعَلَى هَذَا تَكُونُ الشَّهَادَةُ بِمَعْنَى الْحُضُورِ كَقَوْلِكَ شَهِدْتَ وَصِيَّةَ فُلَانٍ بِمَعْنَى حَضَرْتَ أَوْ آخَرَانِ كَائِنَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ يَعْنِي مِنْ غَيْرِ أَهْلِ دِينِكُمْ وَمِلَّتِكُمْ وَهُمُ الْكُفَّارُ وَقِيلَ مِنْ غَيْرِ عَشِيرَتِكُمْ وَقَبِيلَتِكُمْ وَهُمْ مُسْلِمُونَ وَالْأَوَّلُ هُوَ الْأَنْسَبُ بِسِيَاقِ الْآيَةِ وَبِهِ قَالَ أبو موسى الأشعري وبن عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُمَا فَيَكُونُ فِي الْآيَةِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ شَهَادَةِ أَهْلِ الذِّمَّةِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فِي السَّفَرِ فِي خُصُوصِ الْوَصَايَا كَمَا يُفِيدُهُ النَّظْمُ الْقُرْآنِيُّ

وَيَشْهَدُ لَهُ السَّبَبُ لِلنُّزُولِ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ مَعَ الْمُوصِي مَنْ يَشْهَدُ عَلَى وَصِيَّتِهِ فَلْيَشْهَدْ رَجُلَانِ مِنْ أَهْلِ الْكُفْرِ فَإِذَا قَدِمَا وَأَدَّيَا الشَّهَادَةَ عَلَى وَصِيَّتِهِ حَلَفَا بَعْدَ الصَّلَاةِ أَنَّهُمَا مَا كَذَبَا وَلَا بَدَّلَا وَأَنَّ مَا شهد بِهِ حَقٌّ فَيُحْكَمُ حِينَئِذٍ بِشَهَادَتِهِمَا فَإِنْ عُثِرَ بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُمَا كَذَبَا أَوْ خَانَا حَلَفَ رَجُلَانِ مِنْ أَوْلِيَاءِ الْمُوصِي وَغَرِمَ الشَّاهِدَانِ الْكَافِرَانِ مَا ظَهَرَ عَلَيْهِمَا مِنْ خِيَانَةٍ أَوْ نَحْوِهَا هَذَا مَعْنَى الْآيَةِ عِنْدَ مَنْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ

وَبِهِ قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ وَيَحْيَى بْنُ يَعْمُرَ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَأَبُو مِجْلَزٍ والنخعي وشريح وعبيدة السلماني وبن سِيرِينَ وَمُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ وَالسُّدِّيُّ وَالثَّوْرِيُّ وَأَبُو عُبَيْدَةَ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَذَهَبَ إِلَى الثَّانِي أَعْنِي تَفْسِيرَ ضَمِيرِ مِنْكُمْ بِالْقَرَابَةِ أَوِ الْعَشِيرَةِ

وَتَفْسِيرِ غَيْرِكُمْ بِالْأَجَانِبِ الزُّهْرِيُّ وَالْحَسَنُ وَعِكْرِمَةُ وَذَهَبَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَغَيْرُهُمْ مِنَ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ الْآيَةَ مَنْسُوخَةٌ وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِهِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ من الشهداء وقوله وأشهدوا ذوى عدل منكم وَالْكُفَّارُ لَيْسُوا بِمَرْضِيِّينَ وَلَا عُدُولٍ وَخَالَفَهُمُ الْجُمْهُورُ فَقَالُوا الْآيَةُ مُحْكَمَةٌ وَهُوَ الْحَقُّ لِعَدَمِ وُجُودِ دَلِيلٍ صَحِيحٍ عَلَى النَّسْخِ

وأما قَوْلُهُ تَعَالَى ممن ترضون من الشهداء وقوله وأشهدوا ذوى عدل منكم فَهُمَا عَامَّانِ فِي الْأَشْخَاصِ وَالْأَزْمَانِ وَالْأَحْوَالِ وَهَذِهِ الْآيَةُ خَاصَّةٌ بِحَالَةِ الضَّرْبِ فِي الْأَرْضِ وَالْوَصِيَّةِ وَبِحَالَةِ عَدَمِ الشُّهُودِ الْمُسْلِمِينَ وَلَا تَعَارُضَ بَيْنَ خاص وعام إن أنتم ضربتم أَيْ سَافَرْتُمْ وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا الشَّرْطَ قَيْدٌ فِي قَوْلِهِ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ فَقَطْ

وَالْمَعْنَى يَنْبَغِي أَنْ يَشْهَدَ اثْنَانِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَعَذَّرَ كَمَا فِي السَّفَرِ فَمِنْ غَيْرِكُمْ وَقِيلَ هُوَ قَيْدٌ فِي أَصْلِ شَهَادَةٍ وَذَلِكَ أَنْسَبُ عَلَى تَقْدِيرِ تَفْسِيرِ الْآيَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>