بِاتِّخَاذِ الْوَصِيَّيْنِ فِي الْأَرْضِ فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ يَعْنِي فَنَزَلَ بِكُمْ أَسْبَابُ الْمَوْتِ فَأَوْصَيْتُمْ إِلَيْهِمَا ودفعتم ما لكم إليها ثُمَّ ذَهَبَا إِلَى وَرَثَتِكُمْ بِوَصِيَّتِكُمْ وَبِمَا تَرَكْتُمْ فَارْتَابُوا فِي أَمْرِهِمَا وَادَّعَوْا عَلَيْهِمَا خِيَانَةً فَالْحُكْمُ فِيهِ أَنَّكُمْ تَحْبِسُونَهُمَا أَيْ تُوقِفُونَهُمَا وَهُوَ اسْتِئْنَافُ كَلَامٍ أَوْ صِفَةٌ لِقَوْلِهِ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ أَيْ وَآخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ مَحْبُوسَانِ وَالشَّرْطُ بِجَوَابِهِ الْمَحْذُوفِ الْمَدْلُولِ عَلَيْهِ وَآخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمُ اعْتِرَاضٌ بَيْنَ الصِّفَةِ وَالْمَوْصُوفِ مِنْ بَعْدِ الصَّلَاةِ أَيْ مِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الْعَصْرِ وَبِهِ قَالَ عَامَّةُ الْمُفَسِّرِينَ
وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ هَذَا الْوَقْتَ كَانَ مَعْرُوفًا عِنْدَهُمْ بِالتَّحْلِيفِ بَعْدَهَا فَالتَّقْيِيدُ بِالْمَعْرُوفِ الْمَشْهُورِ أَغْنَى عَنِ التَّقْيِيدِ بِاللَّفْظِ مَعَ مَا عِنْدَ أَهْلِ الْكُفْرِ بِاَللَّهِ مِنْ تَعْظِيمِ ذَلِكَ الْوَقْتِ وَذَلِكَ لِقُرْبِهِ مِنْ غُرُوبِ الشَّمْسِ فَيُقْسِمَانِ أَيِ الشَّاهِدَانِ عَلَى الْوَصِيَّةِ أَوِ الْوَصِيَّانِ بِاَللَّهِ إن ارتبتم أَيْ إِنْ شَكَكْتُمْ فِي شَأْنِهِمَا وَاتَّهَمْتُمُوهُمَا فَحَلِّفُوهُمَا وَبِهَذَا يَحْتَجُّ مَنْ يَقُولُ الْآيَةُ نَازِلَةٌ فِي إِشْهَادِ الْكُفَّارِ لِأَنَّ تَحْلِيفَ الشَّاهِدِ الْمُسْلِمِ غَيْرُ مَشْرُوعٍ
وَمَنْ قَالَ الْآيَةُ نَازِلَةٌ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ قَالَ إِنَّهَا مَنْسُوخَةٌ وَقَوْلُهُ إِنِ ارْتَبْتُمْ اعْتِرَاضٌ بَيْنَ يُقْسِمَانِ وَجَوَابُهُ وَهُوَ لَا نَشْتَرِي بِهِ أَيْ بِالْقَسَمِ ثَمَنًا أَيْ لَا نَعْتَاضُ عَنْهُ بِعِوَضٍ قَلِيلٍ مِنَ الدُّنْيَا الْفَانِيَةِ الزَّائِلَةِ ولو كان ذا قربى أَيْ وَلَوْ كَانَ الْمَشْهُودُ لَهُ أَوِ الْمُقْسَمُ لَهُ ذَا قَرَابَةٍ مِنَّا وَلَا نَكْتُمُ شَهَادَةَ الله إِنَّمَا أَضَافَ الشَّهَادَةَ إِلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ لِأَنَّهُ أَمَرَ بِإِقَامَتِهَا وَنَهَى عَنْ كِتْمَانِهَا إِنَّا إِذًا لمن الاثمين يَعْنِي إِنْ كَتَمْنَا الشَّهَادَةَ أَوْ خُنَّا فِيهَا فَإِنْ عُثِرَ يُقَالُ عُثِرَ عَلَى كَذَا اطُّلِعَ عَلَيْهِ وَيُقَالُ عَثَرْتَ مِنْهُ عَلَى خِيَانَةٍ أَيِ اطَّلَعْتَ وَأَعْثَرْتَ غَيْرِي عَلَيْهِ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى وكذلك أعثرنا عليهم وَأَصْلُ الْعُثُورِ الْوُقُوعُ وَالسُّقُوطُ عَلَى الشَّيْءِ وَقِيلَ الْهُجُومُ عَلَى شَيْءٍ لَمْ يَهْجُمْ عَلَيْهِ غَيْرُهُ وَكُلُّ مَنِ اطَّلَعَ عَلَى أَمْرٍ كَانَ قَدْ خَفِيَ عَلَيْهِ قِيلَ لَهُ قَدْ عَثَرَ عَلَيْهِ
وَالْمَعْنَى أَنَّهُ إِذَا اطَّلَعَ وَظَهَرَ بَعْدَ التَّحْلِيفِ عَلَى أَنَّهُمَا أَيِ الشَّاهِدَيْنِ أَوِ الْوَصِيَّيْنِ عَلَى الْخِلَافِ فِي أَنَّ الِاثْنَيْنِ وَصِيَّانِ أَوْ شَاهِدَانِ عَلَى الْوَصِيَّةِ اسْتَحَقَّا إِثْمًا أَيْ فَعَلَا مَا يُوجِبُهُ مِنْ خِيَانَةٍ أَوْ كَذِبٍ فِي الشَّهَادَةِ بِأَنْ وُجِدَ عِنْدَهُمَا مَثَلًا مَا اتُّهِمَا بِهِ وَادَّعَيَا أَنَّهُمَا ابْتَاعَاهُ مِنَ الْمَيِّتِ أَوْ أَوْصَى لَهُمَا بِهِ فَآخَرَانِ أَيْ فَشَاهِدَانِ آخَرَانِ أَوْ فَحَالِفَانِ آخَرَانِ مِنْ أَوْلِيَاءِ الْمَيِّتِ يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا أي مقام الذين عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْمًا فَيَشْهَدَانِ أَوْ يحلفان على ما هو الحق من الذين استحق عليهم على البناء للفاعل قراءة علي وبن عَبَّاسٍ وَأُبَيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَيْ مِنْ أَهْلِ الْمَيِّتِ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمْ الْأَوْلَيَانِ مِنْ بَيْنِهِمْ أَيِ الْأَقْرَبَانِ إِلَى الْمَيِّتِ الْوَارِثَانِ لَهُ الْأَحَقَّانِ بِالشَّهَادَةِ وَمَفْعُولُ اسْتَحَقَّ مَحْذُوفٌ أَيِ اسْتَحَقَّا عَلَيْهِمْ أَنَّ يُجَرِّدُوهُمَا لِلْقِيَامِ بِالشَّهَادَةِ لِأَنَّهَا حَقُّهُمَا وَيُظْهِرُوا بِهَا كَذِبَ الْكَاذِبِينَ وَهُمَا فِي الْحَقِيقَةِ الْآخَرَانِ الْقَائِمَانِ مَقَامَ الْأَوَّلَيْنِ عَلَى وَضْعِ الْمُظْهَرِ مقام المضمر وقرىء عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ وَهُوَ الْأَظْهَرُ أَيْ مِنَ الَّذِينَ اسْتُحِقَّ عَلَيْهِمُ الْإِثْمُ أَيْ جُنِيَ عَلَيْهِمْ وَهُمْ أَهْلُ الْمَيِّتِ وَعَشِيرَتُهُ
فَالْأَوْلَيَانِ مَرْفُوعٌ عَلَى أنه خبر لمبتدأ محذوف كأنه قيل ومنهما فَقِيلَ الْأَوْلَيَانِ أَوْ هُوَ بَدَلٌ مِنَ الضَّمِيرِ فِي يَقُومَانِ أَوْ مِنْ آخَرَانِ فَيُقْسِمَانِ بِاَللَّهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute