للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إِشْكَالَ فِيهِ

وَقِيلَ مَعْنَاهَا عَلَى حَذْفِ الْمُضَافِ أَيْ جَعْلُ أَوْلَادِهِمَا شُرَكَاءَ وَيَدُلُّ لَهُ ضَمِيرُ الْجَمْعِ فِي قَوْلِهِ الْآتِي عَمَّا يُشْرِكُونَ وَإِيَّاهُ ذَكَرَ النَّسَفِيُّ وَالْقَفَّالُ وَارْتَضَاهُ الرَّازِيُّ وَقَالَ هَذَا جَوَابٌ فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ وَالسَّدَادِ وَبِهِ قَالَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ

وَقِيلَ مَعْنَى مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ مِنْ هَيْئَةٍ وَاحِدَةٍ وَشَكْلٍ وَاحِدٍ فَجُعِلَ مِنْهَا أَيْ مِنْ جِنْسِهَا زَوْجُهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا يَعْنِي جِنْسَ الذَّكَرِ جِنْسَ الْأُنْثَى وَعَلَى هَذَا لَا يَكُونُ لِآدَمَ وَلَا حَوَّاءَ ذِكْرٌ فِي الْآيَةِ وَتَكُونُ ضَمَائِرُ التَّثْنِيَةِ رَاجِعَةً إِلَى الْجِنْسَيْنِ

وَهَذِهِ الْأَقْوَالُ كُلُّهَا مُتَقَارِبَةٌ فِي الْمَعْنَى مُتَخَالِفَةٌ في المبنى ولا يَخْلُو كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا مِنْ بُعْدٍ وَضَعْفٍ وَتَكَلُّفٍ بِوُجُوهٍ الْأَوَّلُ أَنَّ الْحَدِيثَ الْمَرْفُوعَ الْمُتَقَدِّمَ يَعْنِي حَدِيثَ سَمُرَةَ الْمَذْكُورَ يَدْفَعُهُ وَلَيْسَ فِي واحد في تِلْكَ الْأَقْوَالِ قَوْلٌ مَرْفُوعٌ حَتَّى يُعْتَمَدَ عَلَيْهِ وَيُصَارَ إِلَيْهِ بَلْ هِيَ تَفَاسِيرُ بِالْآرَاءِ الْمَنْهِيِّ عنها المتوعد عليها

الثاني أن فيه انخرام لنظم القرآن سياقا وسياقا الثالث أن الْحَدِيثُ صَرَّحَ بِأَنَّ صَاحِبَةَ الْقِصَّةِ هِيَ حَوَّاءُ وَقَوْلُهُ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا إِنَّمَا هُوَ لِحَوَّاءَ دُونَ غَيْرِهَا فَالْقِصَّةُ ثَابِتَةٌ لَا وَجْهَ لِإِنْكَارِهَا بِالرَّأْيِ الْمَحْضِ

والحاصل أَنَّ مَا وَقَعَ إِنَّمَا وَقَعَ مِنْ حَوَّاءَ لَا مِنْ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَلَمْ يُشْرِكْ آدَمُ قَطُّ وَقَوْلُهُ جَعَلَا لَهُ شُرَكَاءَ بِصِيغَةِ التَّثْنِيَةِ لَا يُنَافِي ذَلِكَ لِأَنَّهُ قَدْ يُسْنَدُ فِعْلُ الْوَاحِدِ إِلَى الِاثْنَيْنِ بَلْ إِلَى جَمَاعَةٍ وَهُوَ شَائِعٌ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ

وَعَلَى هَذَا فَلَيْسَ فِي الْآيَةِ إِشْكَالٌ وَالذَّهَابُ إِلَى مَا ذَكَرْنَاهُ مُتَعَيِّنٌ تَبَعًا لِلْكِتَابِ وَالْحَدِيثِ وَصَوْنًا لِجَانِبِ النُّبُوَّةِ عَنِ الشِّرْكِ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَالَّذِي ذَكَرُوهُ فِي تَأْوِيلِ هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ يَرُدُّهُ كُلَّهُ ظَاهِرُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ

انْتَهَى مُخْتَصَرًا

قُلْتُ لَوْ كَانَ حَدِيثُ سَمُرَةَ الْمَذْكُورُ صَحِيحًا ثَابِتًا صَالِحًا لِلِاحْتِجَاجِ لَكَانَ كَلَامُ صَاحِبِ فَتْحِ الْبَيَانِ هَذَا حَسَنًا جَيِّدًا وَلَكِنَّكَ قَدْ عَرَفْتَ أَنَّهُ حَدِيثٌ مَعْلُولٌ لَا يَصْلُحُ لِلِاحْتِجَاجِ فَلَا بُدَّ لِدَفْعِ الْإِشْكَالِ الْمَذْكُورِ أَنْ يُخْتَارَ مِنْ هَذِهِ الْأَقْوَالِ الَّتِي ذَكَرُوهَا فِي تَأْوِيلِ الْآيَةِ مَا هُوَ الْأَصَحُّ وَالْأَقْوَى وَأَصَحُّهَا عِنْدِي هو ما اختاره الرازي وبن جرير وبن كَثِيرٍ

قَالَ الرَّازِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ الْمَرْوِيِّ عَنِ بن عَبَّاسٍ هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَهِيَ نَفْسُ آدَمَ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا أَيْ حَوَّاءَ خَلَقَهَا اللَّهُ مِنْ ضِلَعِ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ مِنْ غَيْرِ أَذًى فَلَمَّا تَغَشَّاهَا آدَمُ حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفًا فَلَمَّا أَثْقَلَتْ أَيْ ثَقُلَ الْوَلَدُ فِي بَطْنِهَا أَتَاهَا إِبْلِيسُ فِي صُورَةِ رَجُلٍ قَالَ مَا هَذَا يَا حَوَّاءُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَكُونَ كَلْبًا أَوْ بَهِيمَةً وَمَا يُدْرِيكِ مِنْ أَيْنَ يَخْرُجُ أَمِنْ دُبُرِكِ فَيَقْتُلُكِ أَوْ يَنْشَقُّ بَطْنُكِ فَخَافَتْ حَوَّاءُ وَذَكَرَتْ ذَلِكَ لِآدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَلَمْ يَزَالَا فِي هَمٍّ مِنْ ذَلِكَ ثُمَّ أَتَاهَا وَقَالَ إِنْ سَأَلْتُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَهُ صَالِحًا سَوِيًّا مِثْلَكِ وَيُسَهِّلَ خُرُوجَهُ مِنْ بَطْنِكِ تُسَمِّيهِ عَبْدَ الْحَارِثِ وَكَانَ اسْمُ إِبْلِيسَ فِي الْمَلَائِكَةِ الْحَارِثَ فَذَلِكَ قَوْلُهُ فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحًا جَعَلَا

<<  <  ج: ص:  >  >>