وَقَالَ آخَرُونَ عَنَى بِالْكَوْثَرِ الْخَيْرَ الْكَثِيرَ ثُمَّ ذَكَرَ مَنْ قَالَ بِهِ ثُمَّ قَالَ وَقَالَ آخَرُونَ هُوَ حَوْضٌ أُعْطِيَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْجَنَّةِ ثُمَّ قَالَ وَأَوْلَى هَذِهِ الْأَقْوَالِ بِالصَّوَابِ عِنْدِي قَوْلُ مَنْ قَالَ هُوَ اسْمُ النَّهْرِ الَّذِي أُعْطِيَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْجَنَّةِ وَصَفَهُ اللَّهُ بِالْكَثْرَةِ لِعَظَمَةِ قَدْرِهِ وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ أَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ لِتَتَابُعِ الْأَخْبَارِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنَّ ذَلِكَ كَذَلِكَ انْتَهَى
قُلْتُ الْأَمْرُ كَمَا قال الحافظ بن جرير والحافظ بن حجر رحمهما الله تعالى
وقال الحافظ بن جَرِيرٍ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى فَصَلِّ لِرَبِّكَ وانحر اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي الصَّلَاةِ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُصَلِّيَهَا بِهَذَا الْخِطَابِ وَمَعْنَى قَوْلِهِ وَانْحَرْ
فَقَالَ بَعْضُهُمْ حَضَّهُ عَلَى الْمُوَاظَبَةِ عَلَى الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ وَعَلَى الْحِفْظِ عَلَيْهَا فِي أَوْقَاتِهَا بِقَوْلِهِ فَصَلِّ لربك وانحر ثُمَّ ذَكَرَ مَنْ قَالَ بِهِ ثُمَّ قَالَ وَقَالَ آخَرُونَ بَلْ عَنَى بِقَوْلِهِ فَصَلِّ لِرَبِّكَ الصَّلَاةَ الْمَكْتُوبَةَ وَبِقَوْلِهِ وَانْحَرْ أَنْ يَرْفَعَ يَدَيْهِ إِلَى النَّحْرِ عِنْدَ افْتِتَاحِ الصَّلَاةِ وَالدُّخُولِ فِيهَا ثُمَّ ذَكَرَ مَنْ قَالَ بِهِ ثُمَّ قَالَ وقال آخرون عنى بقوله فصل لربك الْمَكْتُوبَةَ وَبِقَوْلِهِ
وَانْحَرْ نَحْرَ الْبُدْنِ ثُمَّ ذَكَرَ مَنْ قَالَ بِهِ ثُمَّ قَالَ وَقَالَ آخَرُونَ بَلْ عَنَى بِذَلِكَ صَلِّ يَوْمَ النَّحْرِ صَلَاةَ الْعِيدِ وَانْحَرْ نُسُكَكَ ثُمَّ ذَكَرَ مَنْ قَالَ بِهِ ثُمَّ قَالَ وَقَالَ آخَرُونَ قِيلَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنَّ قَوْمًا كَانُوا يُصَلُّونَ لِغَيْرِ اللَّهِ وَيَنْحَرُونَ لِغَيْرِهِ فَقِيلَ لَهُ اجْعَلْ صَلَاتَكَ وَنَحْرَكَ لِلَّهِ إِذْ كَانَ مَنْ يَكْفُرُ بِاللَّهِ يَجْعَلُهُ لِغَيْرِهِ
ثُمَّ ذَكَرَ مَنْ قَالَ بِهِ ثُمَّ قَالَ وَقَالَ آخَرُونَ بَلْ أُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ حِينَ حُصِرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ وَصُدُّوا عَنِ الْبَيْتِ فَأَمَرَهُ اللَّهُ أَنْ يُصَلِّيَ وَيَنْحَرَ الْبُدْنَ وَيَنْصَرِفَ فَفَعَلَ ثُمَّ ذَكَرَ مَنْ قَالَ بِهِ ثُمَّ قَالَ وَقَالَ آخَرُونَ بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ فَصَلِّ وَادْعُ رَبَّكَ وَسَلْهُ ثُمَّ ذَكَرَ مَنْ قَالَ بِهِ ثُمَّ قَالَ وَأَوْلَى هَذِهِ الْأَقْوَالِ عِنْدِي بِالصَّوَابِ قَوْلُ مَنْ قَالَ مَعْنَى ذَلِكَ فَاجْعَلْ صَلَاتَكَ كُلَّهَا لِرَبِّكَ خَالِصًا دُونَ مَا سِوَاهُ مِنَ الْأَنْدَادِ وَالْآلِهَةِ
وَكَذَلِكَ نَحْرُكَ اجْعَلْهُ لَهُ دُونَ الْأَوْثَانِ شُكْرًا لَهُ عَلَى مَا أَعْطَاكَ مِنَ الْكَرَامَةِ وَالْخَيْرِ الَّذِي لَا كُفْءَ لَهُ وَخَصَّكَ بِهِ مِنْ إِعْطَائِهِ إِيَّاكَ الْكَوْثَرَ
وَإِنَّمَا قُلْتُ ذَلِكَ أَوْلَى الْأَقْوَالِ بِالصَّوَابِ فِي ذَلِكَ لِأَنَّ اللَّهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَخْبَرَ نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا أَكْرَمَهُ بِهِ مِنْ عَطِيَّتِهِ وَكَرَامَتِهِ وَإِنْعَامِهِ عَلَيْهِ بِالْكَوْثَرِ ثُمَّ أَتْبَعَ ذَلِكَ قَوْلُهُ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وانحر فَكَانَ مَعْلُومًا بِذَلِكَ أَنَّهُ خَصَّهُ بِالصَّلَاةِ لَهُ وَالنَّحْرِ عَلَى الشُّكْرِ لَهُ عَلَى مَا أَعْلَمَهُ مِنَ النِّعْمَةِ الَّتِي أَنْعَمَهَا عَلَيْهِ بِإِعْطَائِهِ إِيَّاهُ الْكَوْثَرَ فَلَمْ يَكُنْ لِخُصُوصِ بَعْضِ الصَّلَاةِ بِذَلِكَ دُونَ بَعْضٍ
وَبَعْضِ النَّحْرِ دُونَ بَعْضٍ وَجْهٌ إِذَا كَانَ حَثًّا عَلَى الشُّكْرِ عَلَى النِّعَمِ فَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ إِذًا إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ يَا مُحَمَّدُ الْكَوْثَرَ إِنْعَامًا مِنَّا عَلَيْكَ بِهِ وَتَكْرِمَةً مِنَّا لَكَ فَأَخْلِصْ لِرَبِّكَ الْعِبَادَةَ وَأَفْرِدْ لَهُ صَلَاتَكَ وَنُسُكَكَ خِلَافًا لِمَا يَفْعَلُهُ مَنْ كَفَرَ بِهِ وَعَبَدَ غَيْرَهُ وَنَحَرَ لِلْأَوْثَانِ انْتَهَى
قُلْتُ وَيُؤَيِّدُ هَذَا التَّأْوِيلَ قَوْلُهُ تَعَالَى