للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمَعْنَى الْمَذْكُورِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ إِنَّمَا يُسَافِرُ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ إِلَّا إِلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ الِاسْتِثْنَاءُ مُفَرَّغٌ وَالتَّقْدِيرُ لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلَى مَوْضِعٍ وَلَازِمُهُ مَنْعُ السَّفَرِ إِلَى كُلِّ مَوْضِعِ غَيْرِهَا لِأَنَّ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ فِي الْمُفَرَّغِ مُقَدَّرٌ بِأَعَمِّ الْعَامِّ لَكِنْ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالْعُمُومِ هُنَا الْمَوْضِعُ الْمَخْصُوصُ وَهُوَ الْمَسْجِدُ قَالَهُ الْحَافِظُ مَسْجِدِ الْحَرَامِ أَيِ الْمُحَرَّمِ وَهُوَ كَقَوْلِهِمُ الْكِتَابُ بِمَعْنَى الْمَكْتُوبِ وَالْمَسْجِدُ بِالْخَفْضِ عَلَى الْبَدَلِيَّةِ وَيَجُوزُ الرَّفْعُ عَلَى الِاسْتِئْنَافِ وَالْمُرَادُ جَمِيعُ الْحَرَمِ وَقِيلَ يَخْتَصُّ بِالْمَوْضِعِ الَّذِي يُصَلِّي فِيهِ دُونَ الْبُيُوتِ وَغَيْرِهَا مِنْ أَجْزَاءِ الْحَرَمِ وَمَسْجِدِي هَذَا أَيْ مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ وَمَسْجِدِ الْأَقْصَى أَيْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَهُوَ مِنْ إِضَافَةِ الْمَوْصُوفِ إِلَى الصِّفَةِ وَقَدْ جَوَّزَ الْكُوفِيُّونَ وَاسْتَشْهَدُوا بِقَوْلِهِ تعالى وما كنت بجانب الغربي والبصريون يأولونه بِإِضْمَارِ الْمَكَانِ أَيِ الَّذِي بِجَانِبِ الْمَكَانِ الْغَرْبِيِّ وَمَسْجِدِ الْمَكَانِ الْأَقْصَى وَنَحْوِ ذَلِكَ وَسُمِّيَ الْأَقْصَى لِبُعْدِهِ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فِي الْمَسَافَةِ

وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ فَضِيلَةُ هَذِهِ الْمَسَاجِدِ وَمَزِيَّتُهَا عَلَى غَيْرِهَا لِكَوْنِهَا مَسَاجِدَ الْأَنْبِيَاءِ وَلِأَنَّ الْأَوَّلَ قِبْلَةُ النَّاسِ وَإِلَيْهِ حَجُّهُمْ وَالثَّانِيَ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى وَالثَّالِثَ كَانَ قِبْلَةَ الْأُمَمِ السَّالِفَةِ

وَاخْتُلِفَ فِي شَدِّ الرِّحَالِ إِلَى غَيْرِهَا كَالذَّهَابِ إِلَى زِيَارَةِ الصَّالِحِينَ أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا وَإِلَى الْمَوَاضِعِ الْفَاضِلَةِ لِقَصْدِ التبرك لها وَالصَّلَاةِ فِيهَا فَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ يحرم شد الرحال إلى غيرها عم بِظَاهِرِ هَذَا الْحَدِيثِ وَأَشَارَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ إِلَى اخْتِيَارِهِ وَبِهِ قَالَ عِيَاضٌ وَطَائِفَةٌ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ مِنْ إِنْكَارِ نَضْرَةَ الْغِفَارِيِّ عَلَى أَبِي هُرَيْرَةَ خُرُوجَهُ إِلَى الطُّورِ وقال له لو أردكتك قَبْلَ أَنْ تَخْرُجَ مَا خَرَجْتَ وَاسْتَدَلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ يَرَى حَمْلَ الْحَدِيثِ عَلَى عُمُومِهِ وَوَافَقَهُ أَبُو هُرَيْرَةَ

وَالصَّحِيحُ عِنْدَ إِمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرِهِ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ

وَأَجَابُوا عَنِ الْحَدِيثِ بِأَجْوِبَةٍ مِنْهَا أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ الْفَضِيلَةَ التَّامَّةَ إِنَّمَا هِيَ فِي شَدِّ الرِّحَالِ إِلَى هَذِهِ الْمَسَاجِدِ بِخِلَافِ غَيْرِهَا فَإِنَّهُ جَائِزٌ وَقَعَ فِي رِوَايَةٍ لِأَحْمَدَ بِلَفْظِ لَا يَنْبَغِي لِلْمَطِيِّ أَنْ تُعْمَلَ وَهُوَ لَفْظٌ ظَاهِرٌ فِي غَيْرِ التَّحْرِيمِ

وَمِنْهَا أَنَّ النَّهْيَ مَخْصُوصٌ بِمَنْ نَذَرَ عَلَى نَفْسِهِ الصَّلَاةَ فِي مَسْجِدٍ مِنْ سَائِرِ الْمَسَاجِدِ غَيْرِ الثَّلَاثَةِ فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ الْوَفَاءُ بِهِ

وَمِنْهَا أَنَّ الْمُرَادَ حُكْمُ الْمَسَاجِدِ فَقَطْ وَأَنَّهُ لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلَى مَسْجِدٍ مِنَ الْمَسَاجِدِ لِلصَّلَاةِ فِيهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>