للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقال أيضًا: "واعلم أنّ الكفار أوردوا على هذا الكلام سؤالاً فقالوا: نحن لا نعبد هذه الأصنام لاعتقاد أنها آلهة تضر وتنفع، وإنما نعبدها لأجل أنها تماثيل لأشخاص كانوا عند الله من المقربين فنحن نعبدها لأجل أن يصير أولئك الأكابر شفعاء لنا عند الله.

فأجاب الله تعالى بأن قال: {أَمِ اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ شُفَعَاء قُلْ أَوَلَوْ كَانُوا لَا يَمْلِكُونَ شَيْئاً وَلَا يَعْقِلُونَ}. وتقرير الجواب أنّ هؤلاء الكفار إما أن يطمعوا بتلك الشفاعة من هذه الأصنام، أو من أولئك العلماء والزهاد الذين جُعلت هذه الأصنام تماثيل لها، والأول باطل؛ لأن هذه الجمادات وهي الأصنام لا تملك شيئاً ولا تعقل شيئاً فكيف يعقل صدور الشفاعة عنها.

والثاني باطل؛ لأن في يوم القيامة لا يملك أحد شيئاً ولا يقدر أحد على الشفاعة إلا بإذن الله، فيكون الشفيع في الحقيقة هو الله الذي يأذن في تلك الشفاعة، فكان الاشتغال بعبادته أولى من الاشتغال بعبادة غيره، وهذا هو المراد من قوله تعالى {قُل لِلَّهِ الشَّفَاعَة جَمِيعاً} " (١).

وقال أيضًا عند تفسير قوله تعالى: {وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ}: "فإن فعلتَ فإنك إذًا من الظالمين، يعني لو اشتغلت بطلب المنفعة والمضرة من غير الله فأنت من الظالمين، لأنّ الظلم عبارة عن وضع الشيء في غير موضعه، فإذا كان ما سوى الحق معزولا عن التصرف، كانت إضافة التصرف إلى ما سوى الحق وضعا للشيء في غير موضعه فيكون ظلما" (٢).

وذَكَرَ أيضًا أن المقصود من الدعاء "إظهار العبودية والذلة والانكسار والرجوع إلى الله بالكلية" (٣).

وقال أيضًا: "وقال الجمهور الأعظم من العقلاء: إن الدعاء أهم مقامات العبودية" (٤).

وقال أيضًا: "وعن النعمان بن بشير أنه عليه السلام قال: «الدعاء هو العبادة» وقرأ {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ}، فقوله: «الدعاء هو العبادة» معناه أنه معظم العبادة، وأفضل العبادة، كقوله عليه السلام «الحج عرفة» أي الوقوف بعرفة هو الركن الأعظم" (٥).


(١) المصدر السابق (٢٦/ ٤٥٦).
(٢) المصدر السابق (١٧/ ٣٠٩).
(٣) المصدر السابق (٥/ ٢٦٥).
(٤) المصدر السابق (٥/ ٢٦٣).
(٥) المصدر السابق (٥/ ٢٦٤).

<<  <   >  >>