للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولكنك تجد الألوف من المسلمين الأميين والمتعلمين يعارض هذه الأصول القطعية من التوحيد بشبهات تلقّاها بعضهم من بعض بالتسليم والتقليد الجهلي, وهي إن ما ثبت في الكتاب من حياة الشهداء, وما عليه جمهور أهل السنة من إثبات كرامات الأولياء يقتضيان جواز دعائهم ودعاء سائر الصالحين, واستعانتهم على قضاء الحاجات وكشف السوء والنصر على الأعداء, وسائر ما نعجز عنه من طريق الأسباب وسنن الله في الخلق؛ وهذه الشبهة باطلة من وجوه شرحناها في التفسير وباب الفتوى وغيره من المنار مرارًا, ومن أخصها أن حياة الشهداء من أمور عالم الغيب, وكرامات الأولياء من خوارق العادات عند مثبتيها, وقد أجمعوا على أن كُلاًّ منها يُؤخذ ما صح منه بالتسليم, فليس للمجتهد أن يقيس عليه ولا أن يستنبط منه حكمًا شرعيًّا, ولو لم يكن معارضًا لنصوص الكتاب والسنة كاستعانة غير الله تعالى, فكيف إذا كان كذلك وكان المستنبط مع هذا غير مجتهد ولا عالم كهؤلاء الجهال, وإن كان فيهم معمّمون كثيرون" (١).

وقال أيضًا: "ولا شك أن الاستعانة بالأموات على قضاء الحوائج ليس من الأسباب التي سنها الله تعالى لذلك، ولم يقل أحد من أئمة الدين ولا من العقلاء بسببيته.

أما نبذ العقل له فظاهر.

وأما رفض الشرع له فيدل عليه الكتاب والسنة وسيرة السلف الصالح، وأكتفي الآن من الكتاب العزيز بقوله تعالى: {وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}، فهو نص صريح في أنه لا يستعان إلا بالله تعالى، ومن السنة بخبر «إذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله».

وأما سيرة السلف الصالح فلم يُنْقَل عن الصحابة والتابعين أنهم كانوا يأتون قبر النبي صلى الله تعالى عليه وسلم ويقبلون عتبة الحجرة ويقولون: يا رسول الله أهلك فلانًا عدوي، وانتقم من فلان ظالمي، وأهلك الدود من زرعي، واشف داء قريبي، وقرّب وصال حبيبي، كما نراه ونسمعه من جهة العوام عند قبر السيد البدوي وقبر الإمام الحسين رضي الله تعالى عنهما.

بل إن المطالب التي تصدر من هؤلاء تتجاوز هذا الحد، فإنهم يطلبون من الأولياء المستحيلات العقلية، والمنكرات الشرعية التي لا يجوز أن تطلب من الله تعالى، وقد أدى بهم الإهمال وعدم اشتداد العلماء بالإنكار إلى مروق بعضهم من الدين، كما يمرق السهم من الرمية" (٢).

• وقال العلامة محمد بن أحمد العبدي الكانوني المالكي (المتوفى: ١٣٥٦): "ولعمري إنه لو كان ينزل الوحي من السماء بعد النبي سيدنا محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم لنزل فينا أكثر من الأمم الماضية؛ لارتكابنا أقبح الأفعال وأشنعها من غير خوف من الله ولا وجل.

أليس الذي ينسب إلى الولي أنه يعطي المال والولد والوظائف وكل شيء قد اتخذ مع الله إلها؟!

أليس الذي تقول له: احلف لي على حقي، يحلف لك ما شئت من المرّات، وإذا ذكرت له الحلف بالولي الفلاني فإنه يقف حائرًا لما وقر في قلبه من ذلك الولي؟!

أليس إنه خاف من الولي أكثر من خوفه من الله، وعظّمه أشد من تعظيم الله؟! وهذا معنى الربوبية.

بل يجب على من له معرفة بقدر الواجب الملقى على عاتقه في حق أمته أن يقوم بالتعليم والإرشاد، وبيان العقيدة الصحيحة، والفرق بين الرب والولي، لنخرج من هذه الهوة السحيقة والمفازة المهلكة التي أوقعنا فيها الجهل بديننا، والخروج عن تعاليمه النقية، وقد صار سلفنا على منهاجه حتى بلغوا قمة المجد، ودانت لهم البلاد والعباد، ونشروا رواق العدالة والنور على أمم الأرض التي كانت أبعد الناس عن ذلك" (٣).


(١) مجلة المنار (٢٥/ ٦٦٢).
(٢) مجلة المنار (١/ ٧٧).
(٣) جواهر الكمال في تراجم الرجال (ص: ١٣٨) المطبعة العربية بالبيضاء.

<<  <   >  >>