للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

• وقال العلامة أبو بكر محمد عارف خوقير الكتبي المكي مفتي الحنابلة بمكة في وقته (المتوفى: ١٣٤٩ هـ): "فالطامة الكبرى هو دعاء غير الله الذي يسميه علماء السوء توسلاً واستغاثة؛ فإنّ الدعاء عبادة خاصة به تعالى، لا يجوز صرفه لغيره كالسجود والذبح وغيرهما، ولم يرد في نوع من أنواع الكفر والردة من النصوص مثل ما ورد في دعاء غير الله بالنهي عنه، والتحذير من فعله والوعيد عليه، فكم فيه من آيات صريحة، ...

ولو لم يكن في القرآن إلا مجرد طلبه من خلقه لكان ذلك كافيًا في كونه عبادة، فكيف إذا انضم إلى ذلك النهي عن دعاء غيره تعالى، وقد توعد خلقه على الاستكبار عن الدعاء، كما جعل جزاءه الإجابة لما أمرهم فقال: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ}، والاستكبار هو تركه؛ لأنّ الدعاء هو اعتراف بالعبودية والذلة والمسكنة، فإن تاركه إنما تركه لأجل أن يستكبر عن العبودية، ولا يتحقق الدعاء إلا إذا كان الداعي معولاً بقلبه على تحصيل مطلوبه، فمن دعا الله وفي قلبه ذرة من الاعتماد على ماله أو جاهه أو أقاربه أو أصدقائه أو جِدّه أو اجتهاده أو وليه فهو في الحقيقة ما دعا الله إلا بلسانه، أما بالقلب فهو معوّل على تحصيل ذلك المطلوب على غير الله تعالى، فهذا العبد ما دعا الله كما قال ذلك بعض المفسرين.

فلا شك أن الدعاء من أجل الطاعات وأعظم العبادات بجميع معاني العبادة الاصطلاحية واللغوية، فإنها نهاية الخضوع والتذلل ...

فمن صرف هذه العبادة لغير الله بأن دعا ميتًا أو غائبًا طالبًا منه ما لا يقدر عليه إلا الله من قضاء حاجة أو تفريج كربة فقد أشرك " (١).

وقال أيضًا: "فعلى هذا من يعتقد فيمن يدعوه النفع، وأنه له قدرة على إجابة المضطر وإغاثة الملهوف، وقضاء حوائج السائلين، يكون قد أشركه في الربوبية، وذاك لم يبلغه شرك المشركين من أهل الجاهلية من الأميين وأهل الكتاب، بل هو قول غلاة المشركين الذين يرون لآلهتهم تصرفًا وتدبيرًا.

فإلى الله المشتكى من أناس يُدخلون في باب التوسل دعاء غير الله مما يجري على ألسنة العامة، ويدافعون بالمكابرة، ويكذبون الوجدان والمحسوس، ويخدعون أنفسهم، ويغررون بخلق الله" (٢).

وقال أيضًا: "فالشرك تشبيه المخلوق بالخالق في خصائص الإلهية التي تفرد بها سبحانه وتعالى.

وبعبارة أخرى: اعتقاد أنّ لغير الله أثرًا فوق ما وهبه الله من الأسباب الظاهرة، وأنّ لشيء من الأشياء سلطانًا عما خرج عن قدرة المخلوقين" (٣).


(١) فصل المقال وإرشاد الضال في توسل الجهال (ص: ١٣٨ - ١٣٩).
(٢) المصدر السابق (ص: ١٤٠).
(٣) رسالة ما لا بد منه في أمور الدين (ص: ٣٠).

<<  <   >  >>