للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

• وقال العلامة علي محفوظ الحنفي المصري (المتوفى: ١٣٦١ هـ): "المسألة الثانية: الاستغاثة بالمخلوق وكذا الاستعانة به إن كان ذلك فيما يقدر عليه نحو الحيلولة بينه وبين عدوه، ودفع الصائل عنه من لص أو سبع كأن يحمل معه متاعه أو يعلف دابته ونحو ذلك مما يجري فيه التعاون والتعاضد بين الناس، فلا ريب في جوازهما إذا كان ذلك مع اعتقاد أن لا مغيث ولا معين على الإطلاق إلا الله تعالى، وإذا حصل شيء من ذلك على يد غيره فالحقيقة له سبحانه.

وأما ما لا يقدر عليه إلا الله تعالى فلا يستغاث فيه إلا به كغفران الذنوب، والهداية، وشفاء المريض، وإنزال المطر كما قال تعالى: {وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَاّ اللّهُ} ...

وبما ذُكر علمت أنّ الاستغاثة بمخلوق فيما لا يقدر عليه إلا الله تعالى لا تجوز؛ فإنها دعاء، والدعاء عبادة، بل مخّ العبادة، وغير الله تعالى لا يُعبد" (١).

وقال أيضًا: "وبما تقدم يتضح لك أن المستغيث بإنسان طالبٌ منه سائلٌ له، بخلاف المتوسَّل به فليس مطلوبًا منه ولا مسؤولاً، وإنما يُطلب به، وكل أحد يفرق بين المدعو والمدعو به" (٢).

وقال أيضًا بعد أن ذكر أنّ لفظ التوسل يراد به معان ثلاثة وهي التقرب إلى الله بطاعته، والتوسل إلى الله بشفاعة ودعاء نبيه صلى الله عليه وسلم، والتوسل بمعنى الإقسام على الله بذات رسوله، وذكر أن هذا الثالث لم يقع من الصحابة لا في حياته ولا بعد موته، وأن ما يروى في ذلك فضعيف لا يصلح حجة في باب العقائد: "ومن هذا تعلم أنّ المقصود في كل ذلك هو الله عز وجل، وغيره شفيع فقط إذا أذن الله له، وقد يغفل عن هذا العوام فتراهم إذا نزل بهم أمر خطير وخطب جسيم في بر أو بحر تركوا دعاء الله تعالى ودعوا غيره فينادون بعض الأولياء كسيدي أحمد البدوي وسيدي إبراهيم الدسوقي والسيدة زينب رضي الله عنهم، معتقدين أنهم يتصرفون في الأمور، ولا تسمع منهم أحدًا يخص مولاه بتضرع ودعاء، وقد لا يخطر له على بال أنه لو دعا الله وحده ينجو من تلك الشدائد" (٣).

وقال أيضًا: "ويزعم كثير من قصار النظر أنّ الأولياء يتصرفون بعد وفاتهم بنحو شفاء المريض وإنقاذ الغريق والنصر على الأعداء ورد الضائع وغير ذلك مما يكون في عالم الكون والفساد على معنى أن الله تعالى فوّض إليهم ذلك لما لهم عنده من الجاه الأعلى والمقام الرفيع الأسمى فلهم ما يشاءون، ومَن قصدهم لا يخيب.

وتراهم لهذا يرفعون لهم شكواهم في عرائض مكتوبة يضعونها في الأضرحة، وربما كان صاحب هذا الضريح في حال حياته لا يستطيع الأخذ بناصر المظلوم، ولكن الناس بعد الممات يجعلون له التصرف في الملك والملكوت. وقد قال عيسى عليه السلام: {وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مَّا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} " (٤).


(١) الإبداع في مضار الابتداع (ص: ٢٠٧) دار المعرفة - بيروت - لبنان.
(٢) المصدر السابق (ص: ٢١٠).
(٣) المصدر السابق (ص: ٢١٢).
(٤) المصدر السابق (ص: ٢١٣).

<<  <   >  >>