للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

• وقال الشيخ مأمون محمد أحمد بن أمينوه الشنقيطي (ولد سنة ١٣٥٠): "ما يفعله كثير من أتباع الطرق الصوفية وغيرهم من عوام المسلمين عند قبور من يسمونهم بالأولياء والصالحين مناف لتوحيد العبادة لله تعالى، حيث يصرفون لأصحاب القبور ما هو من خصائص الرب جل وعلا، ولا يجوز صرفه لغيره من المخلوقين، كالدعاء والذبح والنذر والاستغاثة وغير ذلك.

فهذا من الشرك الأكبر المحبط لجميع الأعمال، والله سبحانه وتعالى يقول: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} " (١).

• وقال العلامة محمد سالم بن عبد الودود الشنقيطي المشهور بعدُّود (المتوفى: ١٤٣٠) في منظومة جملة العقائد على طريق السلف الأماجد:

واجتنبوا الشرك الجلي والخفي ... ولو بما فيه اختلاف السلف

فأفردوه - جلّ - بالعبادة ... لا تُشركوا في نوعها عبادَه

فلا تُسَمُّوا ولدًا عبد علي ... أو تُنذروا لصالحٍ أو لولي

ولا تَمسُّوا قبرًا او تمسَّحوا ... ولا تطوفوا حوله أو تذبحوا

إلى أن قال:

وبالربوبية وحِّدوهُ ... فهو الذي تعنو له الوجوهُ

لا تجعلوا إذا دعوتم وُسَطَا ... بينكمُ وبينه فهو خطا (٢)


(١) المصدر السابق (ص: ٤٤٣).
(٢) قال العلامة محمد الحسن الددو في شرحه لهذه المنظومة: "فهذا نهي عن نوع من أنواع الشرك، وهو شرك الدعوة، فالشرك في الدعاء هو أن يدعو الإنسان أو يستغيث بغير الله سبحانه وتعالى، وهذا شرك قد سبق ذكره، لكن بعض الناس يزعم أنه لا يدعو أولئك لأنفسهم، وإنما يتقرب بهم إلى الله سبحانه وتعالى فيتوجه بهم إليه، وهذا يشمل أمرين:
الأمر الأول: وهو الاستغاثة بالمخلوق، وذلك كدعاء الأنبياء أو الملائكة أو الأولياء، أو غير ذلك، فهذا قطعًا شرك صريح لقول الله تعالى: {ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِيرٍ إِن تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ}، ومثل قوله تعالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُوراً} ...
أما النوع الثاني: فهو التوسل، والتوسل بالأشخاص بذكرهم في الدعاء ...
قوله: (وُسَطا) جمع وسيط، والوسيط هو الذي يشفع، فهذا يشمل أمرين:
يشمل تحريم دعاء من دونه، وهذا شرك قطعًا، وهو شرك الدعوة.
ويشمل كذلك تحريم التوسط والتوجه إليه بخلقه، فإنه لم يشرع ذلك ولم يعلمنا إياه، وهذا وإن كان لا يمكن ألا يصل إلى درجة الشرك كما ذكرنا، لكنه نقص في الإيمان، ونقص في ثقة الإنسان وعلاقته بالله، ونقص في عقله أيضًا.
ومن يجعل بينه وبين الله واسطة ليشفع له ألا يعلم أن هذا الشافع محتاج إلى أن يتقرب إلى الله بالعمل بنفسه، فكيف يتقرب غيره بعمله، ولهذا ردّ الله تعالى هذا بقوله: {أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ} فهم أنفسهم يبتغون إلى الله الوسيلة، ويتقربون إليه، فكيف يتقرب بهم.
قوله: (وُسَطا بينكم وبينه) أي في الدعاء.
قوله: (فهو خطا) أي: فهو إثم، والخطأ والخطء كلاهما اسم للإثم، والله سبحانه وتعالى يطلق الخطأ والخطء على الإثم مطلقًا حتى الشامل للشرك، فالشرك إحدى الكبائر، والخطأ بمعنى الذنب، وهو يشمل الكبائر والصغائر.
والمقصود أنه قد يكون شركًا أكبر، كما إذا كان دعاء لمخلوق واستغاثة به، وقد يكون دون ذلك، أي شركًا دون شرك، مثل التوسل به".

<<  <   >  >>