للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

• وقال القاضي ثناء الله الباني بتي الملقب عند الحنفية ببيهقي الوقت (المتوفى: ١٢٢٥) في كتابه إرشاد الطالبين وتبعه كثير من علماء الحنفية، منهم الشيخ الجنجوهي (١٣٢٣)، مبينًا أن استغاثات القبورية بالأموات شرك بالله تعالى وكفرٌ به: "لا يجوز عبادة غير الله، ولا استعانة من غيره تعالى؛ لأن ذلك من حق الله تعالى وحده، كما قال سبحانه بصيغة الحصر: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}، فلا يجوز النداء للأولياء، لأنه من العبادة، كما لا يجوز الانحناء إلى القبور، ولا الطواف بها، لأن الطواف لا يكون إلا بالكعبة، ولأن الطواف كالصلاة، فلا تجوز لغير الله.

ولا يجوز أيضا دعاء الأنبياء والأولياء في الكربات، سواء كانوا من الأحياء أو من الأموات؛ لأن الدعاء من العبادة بصريح الكتاب والسنة، ولكن بعض الجهال يقولون عند الكربات: "يا شيخ عبد القادر الجيلاني شيئا لله ويقول بعضهم: "يا خواجة شمس الدين الباني بتي شيئا لله"، فهذا لا يجوز، بل هو شرك، وكفر؛ لأن الله تعالى قال: {إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ}، فالذين يدعونهم القبورية هم عباد مثلهم، لا قدرة لهم على النفع والضر وإنجاح الحوائج.

فإن قال قائل من هؤلاء القبورية: إن هذه الآية نزلت في حق الكفار، وهم كانوا يدعون الأصنام، أما نحن فلا ندعوا الأصنام، بل ندعوا أولياء الله تعالى.

فالجواب: أن لفظ {مِنْ دُونِ اللَّهِ} بمعنى "غير الله" لفظ عام، فالعبرة لعموم اللفظ، لا لخصوص النزول، فيدخل فيه: الأنبياء، والأولياء، وكل ما سوى الله تعالى، فلا يجوز نداء غير الله عند الكربات، سواء كان من الأصنام، أو الأحياء، أو الأموات" (١).

• وقال الإمام الشاه عبد القادر ابن الإمام ولي الله الدهلوي (المتوفى: ١٢٣٠ هـ): " الشرك هو: أن يعتقد في غير الله صفة من صفات الله تعالى، كالعلم بكل شيء، أو فعل كل شيء، أو أنّ بيد فلان خيرًا وشرا، أو يصرف لغير الله من التعظيم ما لا يليق إلا لله تعالى كالسجدة وطلب الحاجة، أو اعتقاد أنّ فلانًا له الاختيار أي التصرف" (٢).

• وقال العلامة الحسن بن خالد الحازمي الحسني (المتوفى: ١٢٣٤ ه): "قال الله تعالى: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ}، وقال تعالى {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ وَلَا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً إِنَّ رَحْمَتَ اللّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ}، وهذا شامل لنوع الدعاء دعاء العبادة ودعاء المسألة، فإن الدعاء في القرآن يراد به دعاء المسألة تارة، ويراد به دعاء العبادة تارة، ويراد بها مجموعها تارة، وهما متلازمان؛ فإنّ دعاء المسألة هو طلب ما ينفع الداعي وطلب كشف ما يضره أو دفعه، وكل من يملك الضر والنفع حقًا فإنه هو المعبود حقًا، ...


(١) إرشاد الطالبين (ص: ٢١) ط/ الحجرية الباكستانية.
(٢) موضح القرآن (١/ ١٠٥) مطبوع مع جواهر القرآن لغلام الله خان، ط/ الحجرية الباكستانية.

<<  <   >  >>