للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

اعلم أن السعادة العظمى، والكرامة الكبرى في الدنيا والعقبى لا تحصل إلا بمتابعة خاتم النبيين، صلوات الله عليه وعلى آله أجمعين، لكن الشيطان للإنسان عدو مبين، يصدهم بأنواع مكائده عن الصراط المستقيم، ويدعوهم إلى الإثم العظيم، ليكونوا من أصحاب الجحيم، وغاية بغيتهم سلب الإيمان حتى يكونوا من أهل الخلود في النيران.

ومن أعظم مكائده التي كاد بها أكثر الناس، وما نجا منها إلا من لم يرد الله تعالى فتنته ما أوحاه قديماً وحديثاً إلى حزبه وأوليائه من الفتنة بالقبور حتى آل الأمر فيها إلى أن عُبد أربابها من دون الله تعالى، وعبدت قبورهم واتخذت أوثانا، وبنيت عليها الهياكل وصورت صور أربابها فيها، ثم جعلت تلك الصور أجساداً لها ظل، ثم جعلت أصناماً وعبدت مع الله تعالى" (١).

وقال أيضًا ناقلاً عن الحافظ ابن القيم ومقررا له: "إنّ غلاة متخذيها [أي: القبور] عيدا إذا رأوها من موضع بعيد ينزلون من الدواب، ويضعون الجباه على الأرض، ويقبلون، ويكشفون الرؤوس، وينادون من مكان بعيد، ويستغيثون بمن لا يبدي ولا يعيد، ويرفعون الأصوات بالضجيج، ويرون أنهم قد زادوا في الربح على الحجيج، حتى إذا وصلوا إليها يصلون عندها ركعتين ويرون أنهم قد أحرزوا من الأجر أجر من صلى إلى القبلتين، فتراهم حول القبور سجدا يبتغون فضلا من الميت ورضوانا، وقد ملأوا أكفهم خيبة وخسرانا، فلغير الله تعالى بل للشيطان ما يراق هناك من العبرات ويرتفع من الأصوات، ويطلب من الميت الحاجات، ويسأل من تفريج الكربات وإغناء ذوي الفاقات ومعافاة أولي العاهات والبليات" (٢).

وقال أيضًا: "فقلب هؤلاء الأمر، وعكسوا الدين، وجعلوا المقصودَ بالزيارة الشرك بالميت، ودعاءَه، وسؤاله الحوائجَ، واستنزال البركات منه، ونحو ذلك، فصاروا مسيئين إلى أنفسهم، وإلى الميت" (٣).

• وقال الإمام محمد بن طاهر الفتني أحد الأئمة الحنفية الكبار الملقب عند بعض العلماء بملك المحدثين (المتوفى: ٩٨٦): "فإنّ منهم من قصد بزيارة قبور الأنبياء والصلحاء أن يصلي عند قبورهم، ويدعو عندها، ويسألهم الحوائج، وهذا لا يجوز؛ فإنّ العبادة وطلب الحوائج، والاستعانة حق لله وحده" (٤).


(١) المصدر السابق (ص: ٧).
(٢) المصدر السابق (ص:٢٢ - ٢٣).
(٣) المصدر السابق (ص: ٢٨).
(٤) مجمع بحار الأنوار (٢/ ٧٣).

<<  <   >  >>