للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقال أيضًا: "وفي قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُباباً} إلخ إشارة إلى ذم الغالين في أولياء الله تعالى حيث يستغيثون بهم في الشدة غافلين عن الله تعالى، وينذرون لهم النذور، والعقلاء منهم يقولون: إنهم وسائلنا إلى الله تعالى، وإنما ننذر لله عز وجل، ونجعل ثوابه للولي، ولا يخفى أنهم في دعواهم الأولى أشبه الناس بعبدة الأصنام القائلين {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى}، ودعواهم الثانية لا بأس بها لو لم يطلبوا منهم ذلك شفاء مريضهم أو ردّ غائبهم أو نحو ذلك، والظاهر من حالهم الطلب، ويرشد إلى ذلك أنه لو قيل: انذروا لله تعالى واجعلوا ثوابه لوالديكم فإنهم أحوج من أولئك الأولياء لم يفعلوا، ورأيت كثيرا منهم يسجد على أعتاب حجر قبور الأولياء، ومنهم من يثبت التصرف لهم جميعا في قبورهم لكنهم متفاوتون فيه حسب تفاوت مراتبهم، والعلماء منهم يحصرون التصرف في القبور في أربعة أو خمسة، وإذا طولبوا بالدليل قالوا: ثبت ذلك بالكشف، قاتلهم الله تعالى ما أجهلهم وأكثر افترائهم، ومنهم من يزعم أنهم يخرجون من القبور ويتشكلون بأشكال مختلفة، وعلماؤهم يقولون: إنما تظهر أرواحهم متشكّلة وتطوف حيث شاءت وربما تشكلت بصورة أسد أو غزال أو نحوه، وكل ذلك باطل لا أصل له في الكتاب والسنة وكلام سلف الأمة، وقد أفسد هؤلاء على الناس دينهم وصاروا ضحكة لأهل الأديان المنسوخة في اليهود والنصارى، وكذا لأهل النحل والدهرية. نسأل الله تعالى العفو والعافية" (١).

وقال أيضًا عند تفسير قوله تعالى: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللّهِ إِلَاّ وَهُم مُّشْرِكُونَ}: "وقد يقال نظرًا إلى مفهوم الآية: إنهم من يندرج فيهم كل من أقر بالله تعالى وخالقيته مثلا وكان مرتكبًا ما يعد شركًا كيفما كان، ومن أولئك عبدة القبور الناذرون لها المعتقدون للنفع والضر ممن الله تعالى أعلم بحاله فيها، وهم اليوم أكثر من الدود" (٢).

• وقال العلامة محمد بن ناصر الحازمي الحسني التهامي (المتوفى: ١٢٨٣): "فمن طلب غير الله أحدًا من الأموات، أو النجوم، أو الشمس أو القمر، أو النور أو الظلمة، فقد غيَّر معنى لا إله إلا الله، وإن نطق بها أو تكلم بما يدل عليها؛ فإنّ المشركين يعرفون معنى لا إله إلا الله، ولهذا قال المشركون: {أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ}، فإنه أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يقولوا لا إله إلا الله، فأنكروا هذا؛ لأنهم يعلمون أن معناها ترك الأصنام، وأن لا يُدعى إلا الله، ولا يعبد سواه، فهؤلاء الذين يطلبون المعتَقَد لم يعرفوا معنى لا إله إلا الله، ولم يقوموا بحقها" (٣).


(١) المصدر السابق (٩/ ٢٠٢).
(٢) المصدر السابق (٧/ ٦٤).
(٣) إيقاظ الوسنان على بيان الخلل الذي في صلح الإخوان (ص: ١٠٥) تحقيق: عبد الله الحازمي.

<<  <   >  >>