للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

النحو الأول: أن يأتي قبر نبي أو ولي أو غيرهما ممن يحسن عقيدته عليه، فيقول: يا سيدي فلان اشفني، أو اشف مريضي، أو اكشف كربتي، واقض حاجتي، أو أهلك عدوي، وعليك أن تفعل كذا وكذا، وأنت وكيلي، وأنت كفيلي ...

أما النحو الأول فليس من التوسل المباح في شيء، بل هو كفر بواح وإشراك بالله في التصرف والقدرة والدعاء، يجب استتابة المبتدي به، فإن تاب وإلا يقتل، وليس هذا أقل من شرك المشركين الذين أنزل لإصلاحهم القرآن، وبعث لدعوتهم الرسول صلى الله عليه وسلم، بل هو أزيد من شركهم بكثير؛ ذلك لأن مشركي مكة وغيرهم كانوا قائلين بوجود الله تعالى، وأنه خالق السماوات والأرضين، وخالقهم، وخالق آبائهم الأولين، وأن بيده ملكوت السماوات والأرض وأنه يدبر الأمر، وأنه يجير ولا يجار عليه، وأنه سخر الشمس والقمر، وأنه يجري السحاب، وينزل الأمطار، {فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ}.

ولم يكن أحد من المشركين يثبت لله شريكا يساويه في العلم والقدرة وسائر الصفات، وهذا مما لم يوجد إلى الآن، وإنما اتخذوا من دون الله أولياء قصدوا بعبادتهم التقرب إلى الله، وقالوا: {هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ}، وكانوا يحجون، ويعتمرون، ويطوفون بالبيت، ويلبون، ويقسمون بالله، وكانت أصنامهم تماثيل الأنبياء، والملائكة، والجن، والصالحين من عباد الله والكواكب العلوية، وكان مبدأ شركهم هو الغلو في الصالحين" (١).

وقال أيضًا: "وإذا أحطت بما ذكرنا علمًا أدركت أنّ كفرَ المشركين من المؤمنين في أمة رسولنا صلى الله عليه وسلم من العرب والعجم، أعظمُ من كفر الذين قاتلهم النبي صلى الله عليه وسلم، وقد سمعت أن الله تعالى ذكر عن الكفار أنهم إذا مسهم الضر تركوا غير الله من السادة والقادة والطواغيت، فلم يدعوا أحدا منهم، ولم يستغيثوا بهم، بل أخلصوا لله وحده لا شريك له، وأنت ترى أن المشركين المدّعين للإيمان من المسلمين- وفيهم من يدعي أنه من أهل العلم والفضل، وفيه الصلاح والزهد، والاجتهاد في العبادة- إذا مسه الضرر وأهمه أمر من أمور الدنيا قام يستغيث بغير الله من الأولياء، كمعروف الكرخي والشيخ عبد القادر الجيلاني، وسالار مدار ونحوهم ... ، وأشنع وأفظع وأقبح وأعظم جرما وأطم ضلالة أنهم يستغيثون بالطواغيت، والأجداث، وأهل القبور، والمردة من الجن والشياطين، ويذبحون لهم، وينذرون لهم، ويسافرون إلى أنصابهم، ويفزعون إلى أحبارهم ورهبانهم" (٢).

• وقال الشيخ محمد الغزالي (المتوفى: ١٤١٦): "ولماذا نستحي من وصف القبوريين بالشرك؟! مع أن الرسول وصف المرائين به فقال: «الرياء شرك».

إنّ واجب العالم المسلم أن يرمق هذه التوسلات النابية باستنكار، ويبذل جهده في تعليم ذويها طريق الحق، لا أن يفرغ وسعه في التمحل والاعتذار!

ولست ممن يحب تكفير الناس بأوهى الأسباب، ولكن حرام أن ندع الجهل يفتك بالعقائد ونحن شهود. أي جريمة يرتكبها الطبيب إذا طمأن المريض ومنع عنه الدواء، وأوهمه أنه سليم معافى؟! إن ذلك لا يجوز" (٣).


(١) الكواكب الدرية في تحقيق الوسيلة الشرعية (ص: ٣٥) ط/ العلمية بلاهور.
(٢) المصدر السابق (ص: ٦٧).
(٣) عقيدة المسلم (ص: ٨٤ - ٨٥).

<<  <   >  >>