للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

• وقال العلامة صنع الله الحلبي المكي الحنفي (المتوفى: ١١٢٠): "وإنه قد ظهر الآن فيما بين المسلمين جماعات يدعون أنّ للأولياء تصرفات في حياتهم وبعد الممات، ويستغاث بهم في الشدائد والبليات، وبهممهم تنكشف المهمات، فيأتون قبورهم وينادونهم في قضاء الحاجات، مستدلين على أن ذلك منهم كرامات.

وقرّرهم على ذلك من ادعى العلم بمسائل، وأمدهم بفتاوى ورسائل، ...

وجوّزوا لهم الذبائح والنذور، وأثبتوا لهم فيهما الأجور.

وهذا - كما ترى- كلام فيه تفريط وإفراط، وغلو في الدين بترك الاحتياط، بل فيه الهلاك الأبدي، والعذاب السرمدي، لما فيه من روائح الشرك المحقق، ومصادرة الكتاب العزيز المصدّق، ومخالف لعقائد الأئمة وما اجتمعت عليه الأمة. فكل بناء على غير أصولهم تلبيس، وفي غير مناهجهم مخايل إبليس.

وفي التنْزيل: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً} " (١).

وقال أيضًا: "وما قيل من أنه يجوز الاستغاثة بالأنبياء والصالحين فإنما المراد به التبرك بذكرهم، والتوسل بهم بلا إمداد منهم.

فإياك ثم إياك في شأنك من مغالطة إخوانك! اللهم طهرنا من معرة ذلك، وأعذنا من إيهام ما فيه المهالك.

والاستغاثة تجوز في الأسباب الظاهرة العادية من الأمور الحسية في قتال أو إدراك عدو أو سبع ونحوه، كقولهم: يالزيد! يالقومي! ياللمسلمين! كما ذكروا ذلك في كتب النحو بحسب الأسباب الظاهرة بالفعل.

أما الاستغاثة بالقوة والتأثير، أو في الأمور المعنوية من الشدائد كالمرض وخوف الغرق والضيق والفقر وطلب الرزق ونحوه فمن خصائص الله، فلا يُذكر فيها غيره، قال جل ذكره: {وَإِذَا مَسَّكُمُ الْضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَن تَدْعُونَ إِلَاّ إِيَّاهُ} فنفى دعاء غيره، فتعين انفراده به، فاعقد على مثله، ولا تكن ممن ضل بعقله {إِذِ الْأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَالسَّلَاسِلُ يُسْحَبُونَ فِي الْحَمِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ} ...

وأما كونهم معتقدين التأثير منهم، وأن لهم التصرف في قضاء حاجاتهم كما تفعله جاهلية العرب والصوفية الجهال، وينادونهم ويستنجدون بهم، فهذا من المنكرات؛ لأن الأحياء إذا انتفى عنهم التصرف - كما مرّ آنفًا- فكيف يثبت للأموات؟! " (٢).


(١) سيف الله على من كذب على أولياء الله (ص:٢٢ - ٢٣) دار الكتاب والسنة.
(٢) المصدر السابق (ص: ٤٩ - ٥١).

<<  <   >  >>