للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

• وقال العلامة يوسف القرضاوي (وُلد عام ١٩٢٦ م): "ومن الشرك الأكبر نوع خفي، يخفى على كثير من الناس، ومنه دعاء الموتى والمقبورين من أصحاب الأضرحة والمقامات، والاستعانة بهم وطلب قضاء الحوائج منهم من شفاء المرضى وتفريج الكربات، وإغاثة الملهوف، والنصر على العدو، مما لا يقدر عليه إلا الله، واعتقاداتهم بأنهم يضرون وينفعون. وهذا أصل شرك العالم، كما قال ابن القيم.

وسبب خفاء هذا الشرك أمران:

١ - أن الناس لا يسمون هذا الدعاء والاستعانة والاستغاثة بأصحاب القبور عبادة، ويظنون أن العبادة إنما تنحصر في الركوع والسجود والصلاة والصيام ونحوها.

والحقيقة أن روح العبادة - كما ذكرنا - هو الدعاء، كما جاء في الحديث: «الدعاء هو العبادة».

٢ - أنهم يقولون: نحن لا نعتقد أن هؤلاء الأموات الذين ندعوهم ونستغيث بهم آلهة أو أرباب لنا، بل نعتقد أنهم مخلوقون مثلنا، ولكنهم وسائط بيننا وبين الله، وشفعاء لنا عنده.

وهذا من جهلهم بالله جل جلاله، فقد حسبوه مثل الملوك الجبارين والحكام المستبدين، لا يستطاع الوصول إليهم إلا بوسطاء وشفعاء، وهو نفس الوهم الذي سقط فيه المشركون قديمًا وحين قالوا عن آلهتهم وأصنامهم: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى}، {وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ} ولم يعتقدوا يوماً أن آلهتهم وأصنامهم تخلق أو ترزق أو تحيي أو تميت، كما قال تعالى: {وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ}، {قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَمَّن يَمْلِكُ السَّمْعَ والأَبْصَارَ وَمَن يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيَّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَن يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللّهُ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ}.

ومع هذا الاعتقاد في الله تعالى أنه خالق السموات والأرض، وأنه الرزاق المدبر المحيي المميت ... والاعتقاد في الأصنام أنها مجرد وسائط وشفعاء لهم عند الله .. مع هذا كله رماهم القرآن بالشرك، وسماهم المشركين، وأمر بقتالهم حتى يتوبوا من الشرك ويقولوا: (لا إله إلا الله) فمن قالها فقد عصم دمه وماله إلا بحق الإسلام" (١).


(١) حقيقة التوحيد (ص ٤٤ - ٤٦).

<<  <   >  >>