للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقال أيضًا: "فإنّ المسلمين متفقون على ما علموه بالاضطرار من دين الإسلام أن العبد لا يجوز له أن يعبد ولا يدعو ولا يستغيث ولا يتوكل إلا على الله، وأنّ مَن عبد ملكا مقربا أو نبيا مرسلا، أو دعاه أو استغاث به فهو مشرك.

فلا يجوز عند أحد من المسلمين أن يقول القائل: يا جبرائيل أو يا ميكائيل أو يا إبراهيم أو يا موسى أو يا رسول الله اغفر لي أو ارحمني أو ارزقني أو انصرني أو أغثني أو أجرني من عدوي أو نحو ذلك، بل هذا كله من خصائص الإلهية" (١).

وقال أيضا: "وأما حقوق رسول الله - بأبي هو وأمي - مثل تقديم محبته على النفس والأهل والمال، وتعزيره وتوقيره وإجلاله وطاعته واتباع سنته وغير ذلك فعظيمة جدا، وكذلك مما يشرع التوسل به في الدعاء كما في الحديث الذي رواه الترمذي وصححه أن النبي صلى الله عليه وسلم علّم شخصا أن يقول: «اللهم إني أسألك وأتوسل إليك بنبيك محمد نبي الرحمة، يا محمد يا رسول الله إني أتوسل بك إلى ربي في حاجتي ليقضيها، اللهم فشفعه فيّ»، فهذا التوسل به حسن.

وأما دعاؤه والاستغاثة به فحرام.

والفرق بين هذين متفق عليه بين المسلمين.

المتوسِّل إنما يدعو الله ويخاطبه ويطلب منه لا يدعو غيره إلا على سبيل استحضاره لا على سبيل الطلب منه، وأما الداعي والمستغيث فهو الذي يسأل المدعو ويطلب منه ويستغيثه ويتوكل عليه" (٢).

وقال أيضًا: "والاستغاثة بالميت والغائب سواء كان نبيًا أو وليًا ليس مشروعًا ولا هو من صالح الأعمال؛ إذ لو كان مشروعا أو حسنا من العمل لكانوا به أعلم وإليه أسبق، ولم يصح عن أحد من السلف أنه فعل ذلك، فكلام هؤلاء يقتضي جواز سؤال الميت والغائب، وقد وقع دعاء الأموات والغائبين لكثير من جهال الفقهاء والمفتين حتى لأقوام فيهم زهد وعبادة ودين، ترى أحدهم يستغيث بمن يحسن به الظن حيًا كان أو ميتًا، وكثير منهم تتمثل له صورة المستغاث به وتخاطبه وتقضي بعض حوائجه وتخبره ببعض الأمور الغائبة، ويظن الغرّ أنه المستغاث به، أو أن ملكًا جاء على صورته، وإنما هي شياطين تمثلت له به وخيالات باطلة، فتراه يأتي قبر من يحسن به الظن إن كان ميتًا فيقول: يا سيدي فلان أنا في حسبك، أنا في جوارك، أنا في جاهك قد أصابني كذا وجرى عليّ كذا، ومقصوده قضاء حاجته إما من الميت أو به.

ومنهم من يقول للميت: اقض ديني واغفر ذنبي وتب علي. ومنهم من يقول: سل لي ربك. ومنهم من يذكر ذلك في نظمه ونثره.

ومنهم من يقول: يا سيدي الشيخ فلان، أو يا سيدي رسول الله نشكو إليك ما أصابنا من العدو وما نزل بنا من المرض وما حل بنا من البلاء، ومنهم من يظن أن الرسول أو الشيخ يعلم ذنوبه وحوائجه وإن لم يذكرها وأنه يقدر على غفرانها وقضاء حوائجه، ويقدر على ما يقدر عليه الله ويعلم ما يعلمه الله.


(١) المصدر السابق (٣/ ٢٧٢).
(٢) المصدر السابق (٣/ ٢٧٦).

<<  <   >  >>