للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهؤلاء قد رأيتهم وسمعت هذا منهم ومن شيوخ يُقتدى بهم ومفتين وقضاة ومدرسين.

ومعلوم أن هذا لم يفعله أحد من السلف ولا شرع الله ذلك ولا رسوله ولا أحد من الأئمة، ولا مع من يفعل ذلك حجة شرعية أصلا، بل من فعل ذلك كان شارعا من الدين ما لم يأذن به الله؛ فإن هذا الفعل منه ما هو كفر صريح، ومنه ما هو منكر ظاهر، سواء قدّر أن الميت يسمع الخطاب كما إذا خوطب من قريب، أو قدر أنه لا يسمعه كما إذا خوطب من بعيد، فإن مجرد سماع الميت للخطاب لا يستلزم أنه قادر على ما يطلب الحي منه، وكونه قادرا عليه لا يستلزم أنه شُرع لنا أن نسأله ونطلب منه كل ما يقدر عليه، فليس لنا في حياة الرسل أن نسألهم كل ما يمكنهم فعله، بل ولا نسأل الله تعالى كل ما يمكنه فعله، بل الدعاء عبادة شرعية فكيف يجوز أن نسألهم ذلك بعد مماتهم، وليس لنا أن نسألهم كل ما يقدر الله عليه من المفعولات ليسألوا ربهم إياه كما سأل قومُ موسى موسى أن يريهم الله جهرة وسألوا المسيح إنزال المائدة وسألوا صالحا الناقة وسألوا الأنبياء الآيات.

فلو قال قائل: سؤال الغائب حيًا وميتًا كسؤال الشاهد؛ فإن الأنبياء والأولياء يسمعون خطاب الغائب البعيد، ويسمع أحدهم خطاب الناس البعيدين له.

قلنا: هذا محال في العادة المعروفة، وإذا وقع ذلك في بعض الصور كان من باب خرق العادة، والعادة قد تخرق بأن يسمع الأدنى خطاب الأعلى كما سمع ساريةُ خطاب عمر: يا سارية الجبل يا سارية الجبل.

ويجوز خرق العادة بالعكس، لكن إثبات هذا في حق معين لا يكون إلا بحجة تدل على وقوع ذلك في حقه" (١).

وقال أيضًا: "ومن الذي قال: إن السائل بمخلوق والداعي له والمستغيث به نبيًا كان المدعو أو غير نبي يكون المخلوق المستغاث به وسيلة إلى الله تعالى في ما طُلب منه، وهذا أمر مخالف للعقل واللغة والشرع. فمن الذي جعل الطلب من هذا وسيلة في الطلب من هذا في كل شيء وعلى كل حال؟! " (٢).


(١) الرد على البكري (١/ ٩٣ - ٩٦) مكتبة الغرباء الأثرية - المدينة المنورة.
(٢) المصدر السابق (٢/ ٦٢٤ - ٦٢٦).

<<  <   >  >>