للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إذا تقرر هذا فالرايات والأعلام التي تنصب على قبور الأولياء والصالحين من جملة البدع التي لم تكن في خير القرون، ولا جرى على فعلها السلف الصالح، ولا يعود على الولي نفع أخروي بوضعها ...

ولا ينبغي أن يوجد عند القبور شيء من البدع القبيحة، بل هي مواضع الاستغفار والقراءة والدعاء لهم والاعتبار بمحلهم لحديث: «زوروا القبور فإنها تذكر الآخرة» أخرجه ابن ماجه، وعند مسلم «فإنها تذكر الموت». والبدع منافية للاعتبار" (١).

• وقال الشيخ فضل الله الجيلاني الهندي الحنفي (المتوفى: ١٢٩٩ هـ) عند شرح حديث «أشرف العبادة الدعاء»: "أشرف العبادة: أي الأمور التي يظهر فيها المرء عبوديته وكونه عبد الله، فمن أشرفها الدعاء، أي ليس الدعاء إلا إظهار المرء فاقته والاستكانة إلى ربه ... ، إذ الدعاء هو إظهار غاية التذلل والافتقار إلى الله، والاستكانة له، ولذا جعل جزاء الاستكبار الصغار والهوان ...

وإذا اعتبرنا العبادات الشرعية سوى الدعاء وجدنا الشارع قد شرع الدعاء في كل منها بما يوافق ذلك القصد، فصار الدعاء عبارة عن الأمرين: السؤال باللسان، والقصد بالجنان؛ لأن الدعاء باللسان إنما هو ترجمة لذلك القصد، فإذا صح هذا: فإننا إذا أفرزنا الدعاء من العبادة - وهو القصد القلبي، وترجمته اللسانية - لم يبق من العبادة إلا صورتها، ولا شك أن القصد القلبي مع الترجمة عنه أكرم على الله تعالى وأشرف من صورة العبادة مجردة عن ذلك، ولهذا صح أن «الدعاء مخ العبادة»، وهو معنى: أن الدعاء هو العبادة، على وزان قوله صلى الله عليه وسلم «الحج عرفة» " (٢).

وقال أيضًا عند شرحه لما في الأثر أنه خدرت رِجْل ابن عمر، ... إلخ: "وعلى كل حال فصورة النداء في بعض الروايات ليس على حقيقته، ولا يتوهم أنه للاستعانة أو الاستغاثة، وإنما المقصود إظهار الشوق وإضرام نار المحبة، وذكر المحبوب يسخن القلب وينشطه فيذهب انجماد الدم فيجري في العروق، وهذا هو الفرح، والخطاب قد يكون لا على إرادة الإسماع" (٣).


(١) عمدة المفتي والمستفتي لمحمد بن عبد الرحمن الأهدل (١/ ١٨٢ - ١٨٣) دار الحاوي للنشر والتوزيع.
(٢) فضل الله الصمد في توضيح الأدب المفرد (٢/ ١٧٧ - ١٧٨) ط/ المدني بالقاهرة.
(٣) المصدر السابق (٢/ ٢٤٩).

<<  <   >  >>