للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومن هنا تعلم أن الذين يستعينون بأصحاب الأضرحة والقبور على قضاء حوائجهم وتيسير أمورهم وشفاء أمراضهم ونماء أموالهم وهلاك أعدائهم عن صراط التوحيد ناكبون، وعن الاهتداء بآيات المثاني معرضون، لأن الاستعانة بما وراء الأسباب الممنوحة للبشر إنما تكون لخالقهم، وهو على كل شيء قدير، كالاستعانة على شفاء المرض بما وراء الدواء، وعلى غلبة العدو بما وراء العدد والعُدّة، فإذا توجه بها إلى غير الله كان نوعًا من أنواع العبادة الوثنية ...

وللعبادة صور كثيرة شُرعت لتذكير الإنسان بها، والشعور بالسلطان الإلهي الأعلى الذي هو روح العبادة وسرها، ولكل عبادة صحيحة أثر في تقويم أخلاق القائم بها وتهذيب نفسه، والأثر إنما يكون عن الروح والشعور الذي هو منشأ التعظيم والخضوع" (١).

• وقال الشيخ محمد بن سالم البيحاني (المتوفى: ١٣٩١): "ومن ذبح أو حلق أو قصر، أو نذر أو ركع، أو سجد لغير الله، أو حلف بمخلوق يعظمه، أو سأل حاجاته من الميت، كأن يطلب منه الولد، أو دعاه أو ناداه، أو استغاث أو استعان به في أمر لا يقدر عليه فقد أشرك، وجعل لله نداً {وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالاً بَعِيداً}.

والشرك خفي وجلي، ... ومن الجلي ما يقع عند قبور الأنبياء والصالحين من جهلة المسلمين المتأصلة فيهم الجاهلية الأولى من عبادة الأوثان والطواف بالقبور، ودعوة أصحابها في المهمات، والعكوف عليها، والتمسك بها لطلب البركات.

وقد أُوذي في الله أقوام بسبب إنكارهم لأعمال يزعم أصحابها أنها من الدين، وتعظيم شعائر الله، وهي مخالفة لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بعبادة الله وحده، وقال المشركون وأصحاب المصالح المستفادة من النذور وما يُهدى إلى القبور، كما قال أصحاب نوح عليه السلام {وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدّاً وَلَا سُوَاعاً وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيراً} " (٢).

وقال أيضًا: "ومن الشرك تعظيم القبور الذي فتن به المسلمون في مختلف الجهات، حتى بنوا عليها القباب، واتخذوا لها الأقفاص والتوابيت، وطافوا بها، وحجوا إليها، ونذروا لأصحابها بجزء معلوم من أولادهم، وأقاموا لها الحفلات والمواسم، وجاءوا إليها متوسلين ومستغيثين، هذا يطلب منهم الولد، وثانٍ يطلب منهم شفاء المريض، وثالث يريد منهم النصرة على الأعداء، وأن ينصفوا له من فلان الظالم، ونسبوا إليهم من الكرامات ما لا يصح أن يكون معجزة لنبي مرسل، وكتبوا عنهم الشطح، والكلام الذي لا يصدر إلا من ملحد في دين الله، أو مدّع أنه شريك لله.


(١) المصدر السابق (ص: ١٨ - ٢٠).
(٢) إصلاح المجتمع (ص: ٦٨) دار العاصمة.

<<  <   >  >>