للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقال أيضًا: "في هذه الآية قال: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ} ولم يقل: فقل إني قريب، فتدل على تعظيم حال الدعاء من وجوه الأول: كأنه سبحانه وتعالى يقول: عبدي أنت إنما تحتاج إلى الواسطة في غير وقت الدعاء، أما في مقام الدعاء فلا واسطة بيني وبينك ...

والرابع: أن الداعي ما دام يبقى خاطره مشغولا بغير الله فإنه لا يكون داعيا له، فإذا فني عن الكل صار مستغرقا في معرفة الأحد الحق، فامتنع من أن يبقى في هذا المقام ملاحظا لحقه وطالبا لنصيبه، فلما ارتفعت الوسائط بالكلية، فلا جرم حصل القرب فإنه ما دام يبقى العبد ملتفتا إلى غرض نفسه لم يكن قريبا من الله تعالى، لأن ذلك الغرض يحجبه عن الله، فثبت أن الدعاء يفيد القرب من الله، فكان الدعاء أفضل العبادات" (١).

وقال أيضًا: "اعلم أنه تعالى لما بين أن القول بالقيامة حق وصدق، وكان من المعلوم بالضرورة أن الإنسان لا ينتفع في يوم القيامة إلا بطاعة الله تعالى، لا جرم كان الاشتغال بالطاعة من أهم المهمات، ولما كان أشرف أنواع الطاعات الدعاء والتضرع، لا جرم أمر الله تعالى به في هذه الآية فقال: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} " (٢).

وقال أيضًا عند تفسير قوله تعالى: {إِن يَدْعُونَ مِن دُونِه إِلا إِنَاثًا}: "معنى يعبدون؛ لأنّ من عبد شيئاً فإنه يدعوه عند احتياجه إليه" (٣).

• وقال أبو السعادات ابن الأثير (المتوفى: ٦٠٦): "وإنما كان [أي: الدعاء] مخها [أي: العبادة] لأمرين: أحدهما: أنه امتثال أمر الله تعالى حيث قال: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} فهو محض العبادة وخالصها.

الثاني: أنه إذا رأى نجاح الأمور من الله قطع أمله عما سواه ودعاه لحاجته وحده. وهذا هو أصل العبادة" (٤).

• وقال سلطان العلماء العز بن عبد السلام (المتوفى: ٦٦٠) في جوابه عن حكم الإقسام على الله تعالى بمعظَّم في الدعاء: "قد جاء في بعض الأحاديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عَلّم بعض الناس الدعاء فقال في أوله: «قل اللهم إني أقسم عليك بنبيك محمد صلى الله عليه وسلم نبي الرحمة»، وهذا الحديث إن صح فينبغي أن يكون مقصوراً على رسول الله؛ لأنه سيد ولد آدم، وأن لا يقسم على الله تعالى بغيره من الأنبياء والملائكة والأولياء، لأنهم ليسوا في درجته، وأن يكون هذا مما خُص به تنبيهاً على علو درجته ومرتبته" (٥).


(١) المصدر السابق (٥/ ٢٦٤).
(٢) المصدر السابق (٢٧/ ٥٢٧).
(٣) المصدر السابق (ص: ١١/ ٢٢١).
(٤) النهاية في غريب الحديث والأثر (٤/ ٦٤١) المكتبة العلمية- بيروت.
(٥) فتاوى العز بن عبد السلام (ص:١٢٦ - ١٢٧) دار المعرفة - بيروت - لبنان.

<<  <   >  >>