للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقال أيضًا: "وإذا علمت هذا، فاعلم أنّ الاستغاثة بالشيء طلب الإغاثة والغوث منه، كما أن الاستعانة بشيء طلب الإعانة منه.

فإذا كانت بنداء من المستغيث للمستغاث كان ذلك سؤالاً منه، وظاهر أن ذلك ليس توسلاً به إلى غيره، بل طلب منه، إذ قد جرت العادة أن من توسل بأحد عند غيره أن يقول لمستغاثه: أستغيثك على هذا الأمر بفلان، فيوجِّه السؤال إليه ويقصر أمر شكواه عليه، ولا يخاطب المستغاث به ويقول له: أرجو منك، أو أريد منك، أو أستغيث بك، ويقول: إنه وسيلتي إلى ربي، فإنّ هذا غير معروف.

وإن كان كما يقول: فما قدّر عظم المتوسَّل إليه حق قدره وتعظيمه، وقد رجا وتوكل والتجأ إلى غيره. كيف واستعمال العرب يأبى عنه، فإن من يقول: صار لي ضيق فأستغيث بصاحب القبر فحصل الفرج، يدل دلالة جبلّية على أنه قد طلب الغوث منه، ولم يفد كلامه أنه توسل به عند غيره، بل إنما يراد هذا المعنى إذا قال: توسلت أو أستغيث عند الله تعالى بفلان، أو يقول لمستغاثه وهو الله سبحانه: أستغيث إليك بفلان، فيكون حينئذ مدخول الباء متوسّلاً به، ولا يصح إرادة هذا المعنى إذا قلت: استغثت بفلان، وتريد التوسل به، وسيما إذا كنت داعيه وسائله، بل قولك هذا نصٌّ على أنّ مدخول الباء مستغاث وليس بمستغاث به. والقرائن التي تكشفه من الدعاء له، وقصر الرجاء عليه شهود عدول، ولا محيد عما شهدت به ولا عدول.

فهذه الاستغاثة، وتوجّه القلب إلى المسؤول بالسؤال والإبانة، محظور على المسلمين، لم يشرعها لأحد من أمته رسولُ رب العالمين.

قال الشيخ محمد الأمين السويدي الشافعي: ولا يجوِّز ذلك إلا من جهل آثار الرسالة، ولهذا عمت الاستغاثة بالأموات عند نزول الكربات، يسألونهم ويتضرعون إليهم، فكان ما يفعلونه معهم أعظم من عبادتهم واعتقادهم في رب السماوات اهـ" (١).

• وقال العلامة علي بن أحمد باصبرين صاحب كتاب هداية العبيد إلى خالص التوحيد (توفي في العشر الأول من القرن العشرين): " (التاسعة) مما يحرم ما يقال عند إقبال الزائرين إلى المزور: (يا وليّ الله جئنا إليك، وحططنا الذنب بين يديك" (٢).


(١) المصدر السابق (ص: ٥١١ - ٥١٢).
(٢) المهمات الدينية في بعض المرتكب من المناهي الربانية (ص: ٦).

<<  <   >  >>