للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بخلاف المعتقدين في الأموات فإنهم إذا دهمتهم الشدائد استغاثوا بالأموات ونذروا لهم النذور، وقلّ من يستغيث بالله سبحانه في تلك الحال، وهذا يعلمه كل من له بحث عن أحوالهم" (١).

• وقال العلامة محمد بن محسن العطاس (توفي بعد سنة ١٢٥٢): "فاعلم أنّ الله تعالى بعث الأنبياء من أولهم إلى آخرهم يدعون العباد إلى إفراد الله بالعبادة، لا إلى إثبات أنه خلقهم ونحوه؛ إذ هم مقرون بذلك كما ذكرناه، ولم يعبدوا الأصنام بالخضوع لهم والتقرب بالنذر والنحر لهم إلا لاعتقادهم أنها تقربهم من الله، وتشفع لهم لديه، فأرسل الله الرسل تأمرهم بترك عبادة ما سواه، وأنّ هذا الاعتقاد الذي يعتقدونه في الأنداد باطل، والتقرب إليهم باطل، وإنّ كل ذلك لا يكون إلا لله وحده.

وأمر عباده أن يقولوا: إياك نعبد، ولا يصدقوا قائل هذا إلا إذا أفرد العبادة لله، وإلا كان كاذبًا فيها من أن يقول هذه الكلمة، إذ معناها: نخصك بالعبادة ونفردك بها، وهو معنى قوله: {فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ} {وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ} لِما عرف من علم البيان أن تقديم ما حقه التأخير يفيد الحصر، أي لا تعبدوا إلا الله ولا تعبدوا غيره، ولا تتقوا إلا الله وألا تتقوا غيره كما في الكشاف.

فإفراد الله تعالى بتوحيد العبادة لا يتم إلا أن يكون جميعها كلها له، والنداء في الشدائد والرخاء لا يكون إلا لله وحده، والاستغاثة والاستعانة لله وحده، واللجوء إلى الله، والنذر له، والنحر له، وجميع أنواع العبادة، ومن يفعل شيئًا من ذلك لمخلوق من حي أو ميت أو جماد فقد أشرك في العبادة، وصار مَن يُفعل له هذه الأمور إلهًا لعابديه سواء كان ملكًا أو نبيًا أو وليا أو شجراً أو قبرًا، وصار بهذه العبادة أو بأي نوع منها عابدًا لذلك المخلوق وإن أقرّ بالله وعبده، فإن إقرار المشركين بالله وتقربهم إليه لم يخرجهم عن الشرك، وعن وجوب سفك دمائهم وسبي ذراريهم ونهب أموالهم، فالله تعالى أغنى الشركاء عن الشرك، لا يقبل عملاً شورك فيه غيره ...

وقد عرفت من هذا أنّ من اعتقد في حجر أو قبر أو ملك أو حي أو ميت أنه ينفع ويضر، وأنه يقرب إلى الله، أو يشفع عنده في حاجة من حوائج الدنيا بمجرد الشفع به إلى الرب تعالى - إلا ما ورد في حديث فيه مقال في حق نبينا صلى الله عليه وسلم- ونحو ذلك، فإنه قد أشرك مع الله غيره، واعتقد ما لا يحل اعتقاده" (٢).

وقال أيضًا: "وكل من دعا من دون الله فيما لا يقدر عليه إلا الله فقد أشرك؛ لأن الدعاء اعتراف بالعبودية، فبدعائه له صيره إلهاً" (٣).

• وقال العلامة محمد عابد السندي الحنفي (المتوفى: ١٢٥٧) في طوالع الأنوار شرح تنوير الأبصار: "ولا يقول: يا صاحب القبر، يا فلان اقض حاجتي، أو سلها من الله، أو كن لي شفيعًا عند الله. بل يقول: يا من لا يشرك في حكمه أحدًا اقض لي حاجتي هذه" (٤).


(١) المصدر السابق (ص: ١١١ - ١١٢).
(٢) تنزيه الذات والصفات من درن الإلحاد والشبهات (ص: ٢٨ - ٢٩) دار الأخلاء للنشر والتوزيع، ١٤٣١ ه.
(٣) المصدر السابق (ص: ٣٥).
(٤) مجلة المنار (٣٢/ ٥٤٥).

<<  <   >  >>