للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقال أيضًا: "لكنه قد مهّد إبليس فناً آخر، وشاع وذاع وملأ الأبصار والأسماع، وغلب أولي الألباب الرعاع.

جاءني شريف من أشراف مكة، وكان يعتقد متصوفاً وأنا أنهاه عنه، فجاءني مذعوراً يقول: ذكرتُ الله ورسوله فغضب فلان وقال: لا أعرفُ الله ولا رسوله إنما أعرف شيخي.

وزار بعضُ العقلاء ابنَ عباس فرأى غلو الناس فيه، فقال لرجل من عمد مكة ومدرسيهم ومتصوفتهم: أهلُ الطائف لا يعرفون الله، قد اتخذوا ابن عباس إلهاً من دون الله، فسقط من عين ذلك المدرس، وقال: ما كنت أظنك بهذه المنزلة من الجهل والغفلة، هم لا يعرفون الله، ولكن تكفيهم معرفة ابن عباس، وهو يعرف الله.

ثم قد صوروا كذبات قالوا: مشى الجنيد في البحر وهو يقول: يا الله يا الله، وقال لتلميذه: قل أنت: يا جنيد يا جنيد. قال: مشيا ثم قال تلميذه: يا الله، فغرق، فنهره الشيخ، فتاب، وقال: يا جنيد، فمشى فوق الماء.

وقالوا: جاء منكر ونكير لميت فقالا: من ربك؟ فقال: شيخي فلان، وكرروا سؤاله وهو يكرر قول: شيخي فلان، فقالوا: صدق، وذهبوا عنه راضين.

ومن أنكر هذا قالوا: جلمود أو مخذول، ولا يحب الأولياء، أو نحو ذلك من عبارات لهم، فهؤلاء زادوا على من قال: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَاّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى}، وليس لهؤلاء من علاج غير السيف، ولكن أهل السيف الآن أجهل خلق الله وأشدهم اغتراراً بتلك الأساليب، حيوانات مختلفة الطباع من ثعالب وسباع يعمها سلب الفلاح. والله المستعان" (١).

• وقال العلامة الملا علي القاري (المتوفى: ١٠١٤): "وعن النعمان بن بشير قال: قال رسول الله

صلى الله عليه وسلم: «الدعاء هو العبادة» أي: هو العبادة الحقيقية التي تستأهل أن تسمى عبادة، لدلالته على الإقبال على الله، والإعراض عما سواه، بحيث لا يرجو ولا يخاف إلا إياه قائما بوجوب العبودية، معترفا بحق الربوبية، عالما بنعمة الإيجاد، طالبا لمدد الإمداد على وفق المراد، وتوفيق الإسعاد" (٢).


(١) الأبحاث المسددة (ص: ١٥٨).
(٢) مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (٤/ ١٥٢٧) دار الفكر، بيروت - لبنان.

<<  <   >  >>