للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقال أيضًا في تعداده للأمور التي جعلها اللّه في الشريعة الإسلامية من مظنات الشرك: "ومنها أنهم كانوا يستعينون بغير الله في حوائجهم من شفاء المريض وغناء الفقير وينذرون لهم ويتوقعون إنجاح مقاصدهم بتلك النذور، ويتلون أسماءهم رجاء بركتها، فأوجب الله تعالى عليهم أن يقولوا في صلواتهم: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}، وقال تعالى: {فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} وليس المراد من الدعاء العبادة كما قاله بعض المفسرين بل هو الاستعانة لقوله تعالى: {بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ} " (١).

وقال أيضاً: "يا أيها الناس ما لكم أشركتم بالله ما لم ينزل به سلطانا، اتخذ أهلُ كل بلد من أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله، أتعلمون أنّ الله بعيد عنكم، وأنّ هؤلاء أقربُ إليكم منه؟، كلا، إن الحق العلي الكبير مع كونه منزها غاية التنزيه تدلّى إلى خلقه، فما من أحد يقول: يا ربي يا ربي، إلا وهو يقول بإزائه: يا عبدي" (٢).

وقال أيضًا: "لقد تبين أن هذا النوع من الدعاء في الحقيقة نوع من أنواع العبادة، لأن الله تعالى قد بين أن هؤلاء المدعوين سيكفرون بعبادة هؤلاء الداعين، ويؤيد ذلك قوله تعالى: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ}، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: «الدعاء هو العبادة»، وقوله صلى الله عليه وسلم: «الدعاء مخ العبادة».

فثبت أنّ دعاء هؤلاء القبورية ونداءهم الأولياء عند الكربات، واستغاثتهم بهم عند الملمات، أو زيارة قبورهم للاستعانة بهم، هو في الحقيقة عبادة من هؤلاء القبورية لهؤلاء الأولياء، وإن هم يزعمون أنهم يذهبون لزيارة قبورهم، ولا يعبدونهم، فهم قد عبدوهم وهم لا يشعرون" (٣).

• وقال العلامة محمد بن إسماعيل الأمير الصنعاني (المتوفى:١١٨٢): "فإفرادُ الله تعالى بتوحيد العبادة لا يتِمُّ إلَاّ بأن يكونَ الدعاءُ كلُّه له، والنداءُ في الشدائد والرخاء لا يكون إلَاّ لله وحده، والاستغاثة والاستعانة بالله وحده، واللّجوء إلى الله والنذر والنحر له تعالى ...

ومَن فعل شيئاً مِن ذلك لمخلوق حيٍّ أو ميت أو جماد أو غيره فقد أشرك في العبادة، وصار مَن تُفعل له هذه الأمور إلَهاً لعابديه، سواءٌ كان مَلَكاً أو نبيًّا أو وليًّا أو شجراً أو قبراً أو جنيًّا أو حيًّا أو ميتاً، وصار العابدُ بهذه العبادة أو بأيِّ نوع منها عابداً لذلك المخلوق مشركاً بالله، وإن أقَرَّ بالله وعَبَدَه، فإنَّ إقرارَ المشركين بالله وتقرُّبَهم إليه لَم يُخرجهم عن الشركِ، وعن وجوب سَفك دمائِهم وسبي ذراريهم وأخذ أموالهم غنيمة، فالله تعالى أغنى الشركاء عن الشرك، لا يقبل عملاً شورك فيه غيرُه، ولا يؤمن به مَن عَبَدَ معه غيرَه" (٤).


(١) حجة الله البالغة (١/ ١٣٣) دار إحياء العلوم - بيروت.
(٢) التفهيمات الإلهية (١/ ٢٠٣).
(٣) البلاغ المبين (ص: ٣٢ - ٣٣) المكتبة السلفية بلاهور.
(٤) تطهير الاعتقاد عن أدران الإلحاد (ص: ٥٧ - ٥٨) مطبعة سفير - الرياض.

<<  <   >  >>