للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

على أنا نقول: إذا قال أحد من عبدة الأنبياء والصالحين: يا فلان اشف مريضي فما مراده؟

إن كان المراد الإسناد الحقيقي فلا ارتياب في كونه كفراً وشركاً.

وإن كان المراد الإسناد المجازي بمعنى يا فلان كن سبباً لشفاء مريضي (١) أي ادع الله تعالى أن يشفي مريضي، فإن كان ذلك المدعو حياً حاضراً فليس هذا من الشرك في شيء، ولكنه لما كان موهماً للإسناد الحقيقي الذي هو شرك صريح كان حقيقاً بالترك، فإن الله تعالى قد نهانا عن استعمال اللفظ الموهم كما تقدم.

وإن كان ذلك المدعو حياً غير حاضر، أو ميتاً وينادى من مكان بعيد من القبر، فهذا أيضاً شرك، فإن فيه إثبات علم الغيب لغير الله تعالى وهو من الصفات المختصة به تعالى.

وإن كان ذلك المدعو ميتاً وينادى عند قبره، فهذا ليس بشرك ولكنه بدعة، فعلى كل حال ينبغي للمؤمن أن يجتنب دعاء غير الله، وذلك هو القول الذي لا إفراط فيه ولا تفريط" (٢).

• وقال الشيخ أبو الطيب شمس الحق العظيم آبادي (المتوفى:١٣٢٩): "ومن أقبح المنكرات وأكبر البدعات وأعظم المحدثات ما اعتاده أهل البدع من ذكر الشيخ عبد القادر الجيلاني رحمه الله بقولهم: يا شيخ عبد القادر الجيلاني شيئاً لله، والصلوات المنكوسة إلى بغداد، وغير ذلك مما لا يعد.

هؤلاء عبدة غير الله ما قدروا الله حق قدره، ولم يعلم هؤلاء السفهاء أن الشيخ رحمه الله لا يقدر على جلب نفع لأحد ولا دفع ضر عنه مقدار ذرة، فلِم يستغيثون به ولم يطلبون الحوائج منه؟! أليس الله بكاف عبده؟! اللهم إنا نعوذ بك من أن نشرك بك أو نعظم أحداً من خلقك كعظمتك.

قال في "البزازية" وغيرها من كتب الفتاوى: "من قال: إن أرواح المشايخ حاضرة تعلم يكفر".

وقال الشيخ فخر الدين أبو سعد عثمان الجياني بن سليمان الحنفي في رسالته: "ومن ظن أنّ الميت يتصرف في الأمور دون الله، واعتقد بذلك كفر. كذا في البحر الرائق".

وقال القاضي حميد الدين ناكوري الهندي في "التوشيح": "منهم الذين يدعون الأنبياء والأولياء عند الحوائج والمصائب باعتقاد أن أرواحهم حاضرة تسمع النداء وتعلم الحوائج، وذلك شرك قبيح وجهل صريح، قال الله تعالى: {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّن يَدْعُو مِن دُونِ اللَّهِ مَن لَّا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَومِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَن دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ}.


(١) قال الشيخ محمد رشيد رضا في تعليقه على كتاب صيانة الإنسان: "إن مثل هذا الطلب لا يحتمل المجاز العقلي لا في اللغة ولا في عرف الناس، وطالب الدعاء يصرّح به. وكتبه محمد رشيد رضا.
(٢) صيانة الإنسان (ص:٢٣٨).

<<  <   >  >>