للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

و (الثاني) أنه لو كان مناط الإسناد المجازي اعتبار التسبب والكسب كما زعم هذا الزاعم لزم أن لا يكون إنسان حقيقة مؤمناً ولا كفاراً ولا براً ولا فاجراً، ولا مصلياً ولا مزكياً ولا صائماً ولا حاجاً ولا مجاهداً ولا زانياً ولا سارقاً، ولا قاتلاً، ولا كاذباً، فيبطل الجزاء والحساب، وتلغى الشرائع والجنة والنار، وهذا لا يقول به أحد من المسلمين

و (الثالث) أن دعوى كون الأنبياء والصالحين سبباً للغوث وكاسباً له محتاج إلى إقامة الدليل ودونه لا تسمع، وبالجملة فهذه شبهة داحضة ووسوسة زاهقة، تنادي بأعلى نداء على صاحبها بالجهل والسفه.

قوله: ومنه ما في صحيح البخاري في مبحث الحشر ووقوف الناس للحساب يوم القيامة: «بينما هم كذلك استغاثوا بآدم ثم بموسى ثم بمحمد صلى الله عليه وسلم» فتأمل تعبيره صلى الله عليه وسلم بقوله: «استغاثوا بآدم» فإن الاستغاثة به مجازية، والمستغاث به حقيقة هو الله تعالى.

أقول: هذا ليس مما نحن فيه، فإن الاستغاثة بالمخلوق على نوعين:

(أحدهما) أن يُستغاث بالمخلوق الحي فيما يقدر على الغوث فيه، مثل أن يستغيث المخلوق بالمخلوق ليعينه على حمل حجر أو يحول بينه وبين عدوه الكافر، أو يدفع عنه سبعاً صائلاً أو لصاً أو نحو ذلك، ومن ذلك طلب الدعاء لله تعالى من بعض عباده لبعض، وهذا لا خلاف في جوازه.

والاستغاثة الواردة في حديث المحشر من هذا القبيل، فإن الأنبياء الذين يستغيث العباد بهم يوم القيامة يكونون أحياء، وهذه الاستغاثة إنما تكون بأن يأتي أهل المحشر هؤلاء الأنبياء يطلبون منهم أن يشفعوا لهم إلى الله سبحانه، ويدعوا لهم بفصل الحساب والإراحة من ذلك الموقف، ولا ريب أن الأنبياء قادرون على الدعاء، فهذه الاستغاثة تكون بالمخلوق الحي فيما يقدر على الغوث فيه.

و (الثاني) أن يستغاث بمخلوق ميت أو حي فيما لا يقدر عليه إلا الله تعالى، وهذا هو الذي يقول فيه أهل التحقيق إنه غير جائز.

<<  <   >  >>