للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وذكرت من سوء أفعالهم، وقبيح أقوالهم في كتابي الصارم القرآني شيئا كثيرًا، ومن دعا غير الله أو ناداه في مهماته، أو طلب منه ما لا يقدر عليه إلا صاحب القدرة المطلقة فقد أشرك، وكذلك من ركع أو سجد، أو ذبح أو نذر، أو حلق لغير الله، أو حلف بأي مخلوق ولو نبيًا أو ملكًا {فَلَا تَجْعَلُوا لِلّهِ أَندَاداً وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ} " (١).

وقال أيضًا: "إذا زرتَ قبرًا من قبور الصالحين رأيتَ الناس حوله باكين خاشعين متضرعين، يعرضون عليه حاجاتهم كما يعرضونها على الله، ويخاطبون صاحب الضريح بكلمات يخجل منها وجه الإسلام، ويبكي لها كل من اعتقد أن لا وثنية في الإسلام" (٢).

• وقال العلامة محمد الأمين الشنقيطي (المتوفى: ١٣٩٣): "التحقيق في معنى الوسيلة هو ما ذهب إليه عامة العلماء من أنها التقرب إلى الله تعالى بالإخلاص له في العبادة، على وفق ما جاء به الرسول

صلى الله عليه وسلم، وتفسير ابن عباس داخل في هذا؛ لأنّ دعاء الله والابتهال إليه في طلب الحوائج من أعظم أنواع عبادته التي هي الوسيلة إلى نيل رضاه ورحمته.

وبهذا التحقيق تعلم أنّ ما يزعمه كثير من ملاحدة أتباع الجهال المدعين للتصوف من أنّ المراد بالوسيلة في الآية الشيخ الذي يكون له واسطة بينه وبين ربه، أنه تخبط في الجهل والعمى وضلال مبين وتلاعب بكتاب الله تعالى.

واتخاذ الوسائط من دون الله من أصول كفر الكفار، كما صرح به تعالى في قوله عنهم: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى}، وقوله: {وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الْأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ}، فيجب على كل مكلف أن يعلم أن الطريق الموصلة إلى رضى الله وجنته ورحمته هي اتباع رسوله صلى الله عليه وسلم، ومن حاد عن ذلك فقد ضل سواء السبيل" (٣).

وقال أيضًا عند تفسير قوله تعالى: {وَإِذَا مَسَّكُمُ الْضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَن تَدْعُونَ إِلَا إِيَّاهُ}: "لا يخفى على الناظر في هذه الآية الكريمة أن الله ذم الكفار وعاتبهم بأنهم في وقت الشدائد والأهوال خاصة يخلصون العبادة له وحده، ولا يصرفون شيئاً من حقه لمخلوق، وفي وقت الأمن والعافية يشركون به غيره في حقوقه الواجبة له وحده، التي هي عبادته وحده في جميع أنواع العبادة.

ويُعلم من ذلك أن بعض جهلة المتسمين باسم الإسلام أسوأ حالاً من عبدة الأوثان، فإنهم إذا دهمتهم الشدائد، وغشيتهم الأهوال والكروب التجؤوا إلى غير الله ممن يعتقدون فيه الصلاح. في الوقت الذي يخلص فيه الكفار العبادة لله، مع أن الله جل وعلا أوضح في غير موضع أن إجابة المضطر، وإنجاءه من الكرب من حقوقه التي لا يشاركه فيها غيره" (٤).


(١) المصدر السابق (ص: ٢١١ - ٢١٢)
(٢) حاشية هداية المريد إلى سبيل الحق والتوحيد (ص: ١٢ - ١٣).
(٣) أضواء البيان (١/ ٤٠٣) دار الفكر للطباعة و النشر والتوزيع بيروت - لبنان، ط/ ١٤١٥ هـ.
(٤) المصدر السابق (٣/ ١٧٤).

<<  <   >  >>