للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فتعين اتحاد الجهتين جزمًا في أنّ صنع المقابرية - الذي مرّ لك منه ما تفاحش نكره- هو الذي سلكه الوثنيون حذوك النعل بالنعل، والقذة بالقذة، وتبعوا آثارهم فيه حرفًا بحرف، وخطوة بخطوة، ودخلوا الجِحرة التي دخلوها، وولجوا الأبواب التي ولجوها، بحيث إن فصل أحدهما من الآخر فصل الشيء من عينه، اللهم إلا على جهة مجاوزة المقابرية لحد أولئك في أكثر الحالات كما نبهناك على الحجة في ذلك، ودللناك على صدر من صنيع العامة مما يشعر به ذلك. فنعم.

ولا إله إلا الله كيف التبس مثل هذا، وهو من أبين البينات، وأوضح الواضحات" (١).

• وسُئل العلامة محمد بن سليمان الكردي الشافعي الأشعري، فقيه الشافعية بالديار الحجازية في عصره (المتوفى: ١١٩٤) عن التوسل؟ وعن المراد بقول بعض أهل العلم: مَن جعل بينه وبين الله وسائط يدعوهم ويسألهم ويتوكل عليهم كَفَر؟

فأجاب: أما التوسل بالأنبياء والصالحين فهو أمر محبوب ...

وجعْل الوسائط بين العبد وبين ربه، فإن صار يدعوهم كما يدعو الله تعالى في الأمور، ويعتقد تأثيرهم في شيء من دون الله تعالى فهو كفر.

وإن كان المراد من جعلهم وسائط أن يتوسل بهم إلى الله في قضاء مهماته مع اعتقاد أنّ الله هو النافع الضار المؤثر في الأمور دون غيره، فالذي يظهر عدم كفره، وإن كان هذا اللفظ قبيحاً يتبادر منه الكفر، ومن ثمت أطلق صاحب الفروع من الحنابلة القول بكفره، قال: قالوا: إجماعاً. ونقله ابن حجر في كتابه الإعلام وأقرّه" (٢).

• وقال العلامة عبد الخالق بن علي المزجاجي الحنفي الزبيدي (المتوفى: ١٢٠١): " وقد قال تعالى في إثر سماء «أصبح من عبادي مؤمن وكافر، أما من قال: مُطرنا بفضل الله ورحمته فذلك مؤمن بي كافر بالكواكب، وأما من قال: مُطرنا بنوء كذا فذلك كافر بي مؤمن بالكوكب».

وقد ذهب العامة هذا المذهب في الأولياء، فإن مرضوا، قالوا: هذا من فلان، وإن شفوا قالوا: بركة سيدي فلان، فلما اعتقدوا ضرهم ونفعهم حلفوا بهم من دون الله، ونذروا لهم من دون الله، واستسقوهم من دون الله.

فإن أجرى الله تعالى الوادي قالوا: شيء لله يا فلان، وإن قبض عنهم المطر قالوا: حمقة فلان، والله سبحانه القابض الباسط المحيي المميت، وكل شيء بيده من ملك وملكوت، ولو ذهبنا نتكلم في الكتاب والسنة من التحذير عن ذلك لكان يرى الناس قد هلكوا، ولهذا تراهم أكثر أتباع الدجال. فافهم هذه الجملة" (٣).


(١) المصدر السابق (ص: ٢١٥).
(٢) قرة العين في فتاوى علماء الحرمين (ص: ٢٥٩ - ٢٦٠) مطبعة: مصطفى محمد بمصر.
(٣) فصل المقال وإرشاد الضال في توسل الجهال لخوقير (ص: ١٤٥).

<<  <   >  >>