للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقال أيضًا: "فالداعي سوى الله والملتجئ إلى غيره، وصارف اضطراره وافتقاره عنه إلى من دونه، بهيئة ما ينبغي أن يكون لله، ... ومثبت ما لله من التأثير لخلقه على جهة اتصاف المحل ولو في الجملة، إما بالاعتقاد أو بالتهيؤ كما تترجم عنه الحالة الدعائية وحكم صورتها، ... مضيّعٌ لمعنى العبودية ومقتضيات الربوبية التي لا انفكاك عنها" (١).

وقال أيضًا: "ولا نعلم كبير معنى للشرك - إذ نعاه الله إلى أهله- سوى باب العمل لغيره، والدعاء لسواه، وما يستتبعان أو ينشأ عنهما، وإن كان العمل للأوثان لم يقع إلا للاستشفاع لا للاستحقاق للذات كما هو صريح {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَاّ لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللَّهِ زُلْفى}.

فالقصد الثاني وهو التوسل غير نافع مع القصد الأول، وهو إرادة السوى بالعمل، وجعله له، وإضافته إليه، وتوجيهه له، إذ هذا فرقُ من وراء الجمع.

وهل يستطاع بحجة واضحة أن يمانعنا بشرٌ أنّ "يا ولي الله افعل" من هذا القبيل، كالصلاة له سواء؟! إذ الوضع واحد كما شرحناه" (٢).

وقال أيضًا: "فتأمل قوله: {وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِيرٍ}، وتضمنه بيان معنى ذلك الدعاء والقصد به، والغاية الباعثة عليه، والصفة التي تكيف بها، فإنه مترجم عن أنهم يسألون المدعو أغراضهم، فكشف لهم - إذ لم يكونوا منزلين منزلة من يجهل- عن حقيقة الأمر، وأنه لا يملك مما سألوه شيئًا، ولا يستطيع لهم قط إجابة.

ولا نخال أن القوم يعتقدون - إذ دعوا أوثانهم- أنها تدبِّر الأمر، وتملك التصرف فيه، فأي دلالة في دعائها عليه مع تسميتها أيضًا شفعاء؟!

فهل يمكن مع هذا أن يجزم بكون القصد على نمط العبارة.

وهذا بعينه - دع ما جاوزه- قد ملأ أرجاء البسيطة، ودان به العامة في سكان المقابر، ودعاء أصحاب الأجداث في كشف الملمات، ودفع المهمات، وقضاء المطالب والمآرب والحاجات، برًا وبحرًا، وسهلاً ووعرًا.

وإن تراجم الكتاب العزيز، وبراهينه بتلك المثابة والمنزلة والبيان الذي تلوناه عليك من آياته البينة، وكلماته المفصلة المعينة، التي لا تبقي شكًا ولا شبهة ولا ارتيابًا عند من وازن وتدبر.


(١) المصدر السابق (ص: ١٩٥)
(٢) المصدر السابق (ص: ٢٤٠).

<<  <   >  >>