للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقال أيضًا: "ومن يتكلم بهذا [أي: أنّ الحاصل من العامة هو قصد التوسل بالصالحين فقط] لا يدري ما فشا في العامة، وما صار هجيراهم عند الأموات ومصارع الرفات من دعائهم، والاستغاثة بهم، والعكوف حول أجداثهم، ورفع الأصوات بالخوار، وإظهار الفاقة، والاضطرار، واللجأ في ظلمات البحر والتطام أمواجه الكبار، والسفر نحوها بالأزواج والأطفال، والله قد علم ما في طي ذلك كله من قبيح الخلائق والأفعال، وارتكاب ما نهى الله عنه وإضاعة حقوق ذي العزة والجلال، والالتجاء المحقق إلى سكان المقابر في فتح أرحام العقام، وتزويج الأرامل والأيامى من الأنام، واستنزال السحائب والأمطار واستماحة المآرب والأوطار، ودفع المحاذير من المكاره والشدائد، والإناخة بأبوابها لنيل ما يرام من الحوائج والمقاصد ...

وليعرف كل سامع لما نمليه أن القائل "بأن العوام قد يقع منهم عبارات موهمة، وقصارى أمرهم التوسل" إما غالط أو خالط، أو جاهل للدين. وإلا فما بعد هذا؟! " (١).

وقال أيضًا بعد أن ذكر كثيرًا من استغاثات العوام وحالاتهم: "فما من مسلم عرف معنى الإيمان بالله حقًا وتوحيده، وأنس بطرائق هذا الدين الحنيف قبل استيلاء تلك البدع المحدثات على القلوب يرى شيئا من هذا حسنًا بل جائزًا بل معصية لا تدافع التوحيد، فضلاً عن أن يؤصّل لكونه بابًا من الدين، والدين بحمد الله واضح المناهج، بيّن المدارج، لا يحتمل أوهام من ضل وزلّ وخرّ لوجهه في مهاوي هذا الضلال المبين.

أفيقول ذو عقل: إن ما حكيناه "مجرد توسل، وعبارة موهمة بمنزلة اللغو في اليمين"؟!

اللهم إنا نبرأ إليك من هذه المخادعة لك ولدينك، فإن من عنده مسكة من عقل ينادي: إنه لا يتمحل لضلال الناس عن إخلاص عبادة ربهم بهذه التمحلات السمجة إلا من لا يفهم ولا يدري.

ومن عجيب ما أتته العامة من طرائف هذا الباب وغرائبه الفاحشة التي زعم ذلك المخادع القائل "إنها مجرد توسل وعبارة موهمة" ما شاهدناه بالمعاينة مكتوبًا على راية مشهد من المشاهد "هذه راية البحر التيار فلان ابن فلان، به أستغيث وأستجير، وبه أعوذ من النار" (٢).


(١) المصدر السابق (ص: ١٦٩ - ١٧٠).
(٢) المصدر السابق (ص: ١٧٢).

<<  <   >  >>