ومنها: أنّ كل ما يتوجه به إلى الخالق سبحانه ويطلب منه بالذات أو بالوساطة عنده فهو عبادة، وكل ما يتوجه به مخلوق بطلب ما ليس من الأسباب العادية المشتركة بين الناس، فهو يدخل في مسمى العبادة، وكذا كل خوف ورجاء في شيء من الأشياء لا يدخل في الأسباب المعروفة للناس، فالذين عبدوا الثعبان ما كانت عبادتهم له إلا اعتقادهم أنه يقدر على قتل الإنسان أو الجمل بدون سبب من أسباب القتل المعروفة لهم. وجملة القول إنّ العبادة الفطرية عندهم وعند جميع الأمم تشمل كل اعتقاد وشعور وعمل ودعاء يتعلق بمن له سلطة غيبية غير عادية. وقد يكون لعدة أشياء بعضها فوق بعض: منها ما له السلطة والتأثير بالذات، ومنها ما يكون بالوساطة. وأما المتأخرون فلما لقنوا أنّ العبادة لا تكون إلا لله سمّوا عبادة التوسط عند الله توسلاً، وسمّوا من توجّه إليه وسيلة وشفيعاً وولياً كما كان يسميه المشركون الأولون، وإنما خالفوهم في تسميته إلهاً وتسمية وساطته عبادة، وهي تسمية لغوية صحيحة في اللغة، فالخلاف بينهما لغوي محض. وكتبه محمد رشيد رضا.