للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقال أيضًا: "من اعتقد في شجر أو حجر أو جني أو حي أو ميت أنه ينفع أو يضر أو أنه يقرب إلى الله تعالى يشفع عنده في حاجة من حوائج الدنيا بمجرد التشفع والتوسل إلى الرب تعالى، فإنه قد أشرك مع الله غيره. واعتقد ما لا يحل اعتقاده" (١).

وقال أيضًا: "فإنّ دعاؤهم [أي: عباد القبور] في المهمات لأسماء رجا صالحين، قد جعلوا على قبور بعضهم التوابيت والخرق النفيسة، والقباب، وسرجوا عليها في الليل، وعكفوا عليها هو بعينه فعل عباد الأصنام، وعباد الأصنام يعلمون أن هؤلاء لا يغنون عنهم من الله شيئًا، وإنما قصدوا التقرب إلى الله تعالى، وهؤلاء كذلك يقولون: إنهم مذنبون، وهؤلاء أقرب إلى الله تعالى منهم وسائط ووسائل، وهذا بعينه فعل عباد الأصنام" (٢).

وقال أيضًا: "وأعظم من هذا أنه يستعان بهم عند الملمات، ويستغاث بهم في المهمات، ... ومع أن كل أحد من هؤلاء يدعو معتقده إذا مسه الضر، وربما كان معتقده مقبورًا في مصر والداعي في اليمن، فإنهم يدعون البدوي والجيلاني في بغداد وبينهم البر والبحر، والله تعالى يقول: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ}، {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ}، ويقول صلى الله عليه وسلم: «الدعاء هو العبادة» ثم يتلو هذه الآية، وهذه الصيغة تفيد الحصر، فمن دعا غير الله تعالى فقد عبد سواه، والله يقول لمصطفاه {بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُن مِّنْ الشَّاكِرِينَ} ويقول {وَمَا أُمِرُوا إِلَاّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ}.

ومن عبد غير الله فقد أشرك، والله تعالى يقول لسيد المخلصين: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} " (٣).

وقال أيضًا: "فإذا رددنا ما تنازعنا فيه، وقلنا بتحريم دعوة غير الله والاستغاثة به وما الحق في ذلك، فوجدنا القرآن ينادي بالنهي عن دعوة غير الله ويختمها بالوعيد الشديد لمن فعل ذلك، ولو لم يُحتج على صاحب الرسالة [أي: داود بن جرجيس] إلا بآية واحدة، لانقطعت حجته، ووهت شبهته، والسنة كذلك تنادي في النهي عن أن يدعى مع الله غيره، كما في الصحيح عن ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من مات وهو يدعو لله نداً دخل النار».

ومسمّى الدعاء هو السؤال والطلب لغة وشرعاً شاء المشرك أو أبى، ... والندّ هو الشبه والمثل، فمن استغاث بغير الله من ميت أو غائب، أو دعاه فقد شبّهه بالله الذي يصمد إليه كل مخلوق في كل ما يحتاجون إليه في دنياهم وأخراهم" (٤).

• وقال العلامة محمد بن أحمد بن عبد الباري الأهدل (المتوفى: ١٢٩٨): "والقسم الثاني [أي: من البدع التي ليست حسنة]: ما يدعو إلى إباحة ما حرم الله، ومن ذلك ما عمّ الابتلاء به من التقرب إلى الأولياء في قبورهم بأنواع الطاعات، وتعظيم نحو حائط أو عمود أو شجر رجاء شفاء أو قضاء حاجة.

وهذا القسم أعظم وأشد من القسم الذي قبله، ويُخشى منه الوقوع في الكفر.


(١) المصدر السابق (ص: ٣٣).
(٢) المصدر السابق (ص: ٦٣ - ٦٤).
(٣) المصدر السابق (ص: ٨٥ - ٨٧).
(٤) المصدر السابق (ص: ١٢٧ - ١٢٨).

<<  <   >  >>