للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقال أيضاً: "فمن اعتقد أنّ لغير الله من نبي أو ولي أو روح، أو غير ذلك في كشف كربة، وقضاء حاجة تأثيراً، فقد وقع في وادي جهل خطير، فهو على شفا حفرة من السعير.

وأما كونهم مستدلين على أن ذلك منهم كرامات، فحاشا لله أن تكون أولياء الله بهذه المثابة، وأن يظنّ بهم أن دفع الضر وجلب النفع منهم كرامةٌ، فهذا ظن أهل الأوثان، كما أخبر الرحمن: {هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ}، {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى}.

وأما أهل الإيمان فليس لهم غير الله دافع، ومنه تحصل المنافع، قال جل ذكره {أَغَيْرَ اللّهِ تَدْعُونَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاء}، {أَأَتَّخِذُ مِن دُونِهِ آلِهَةً إِن يُرِدْنِ الرَّحْمَن بِضُرٍّ لَاّ تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً}.

فإنّ ذِكرَ ما ليس من شأنه النفع ولا دفع الضر من نبي وملك وولي وغيرهم على وجه الإمداد منه إشراك مع الله؛ إذ لا قادر على الدفع غيره، ولا خير إلا خيره.

نعم ذكر الأنبياء والصالحين في الدعاء على وجه التوسل بهم، كقوله: نسألك يا الله بمحمد وآله، ونحو ذلك لا بأس به.

وأما الطلب منهم على وجه التأثير والشفاعة اللازمة فمن اعتقاد أهل الأوثان كما مرّ بيانه مرة بعد أخرى.

فمن اعتقد أنّ جلب المنافع ودفع المضار من غير الله أو ممن أشركه مع الله فقد افترى في دينه فرية ما مثلها بلية" (١).

وقال أيضًا: "الكرامة لا تحدّي فيها، ولا هي عن قصد حتى تكون من تصرفاتهم.

وفي التنزيل {قُلْ إِنَّمَا الْآيَاتُ عِندَ اللَّهِ}، {قُل لَاّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلَا ضَرّاً}، فهذا خطاب لأكبر رسل الله، فكيف بغيره من أولياء الله؟! ولكن {مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ}.

وأما من قرّرهم على ذلك ممن ادعى العلم، وأمدّهم بمسائل وفتاوى ورسائل فإنما هو من زعمه المرتّب أو جهله المركّب، أو من فساد سرّه، أو من خَبَلٍ في عقله، أو من تعصبه لخصمه وقع في سوء فهمه، أو من حسده للأقران أخذ يسفسط في البرهان بقال فلان وأفتى فلان مع ما فيه من الخلل ومحض الزلل، وتركه ما في هذا الشأن من هداية القرآن الذي تبين بنصوصه المترقية عن درجة التأويل وإيضاح السبيل، وانكشف به الحجاب عن العقول، وتبين للناس ما فيه من المنقول، وأقام الله به الأدلة على الهداية، وأرشد المتقين لما فيه من الدراية. فهل تستند إلى غيره الأفكار مع وضوح ما فيه من الأسرار؟! أفي عقولهم جِنّة أم على قلوبهم أكنّة؟

فوالله لقد تلخص فيه الصواب، وتميز به القشر من اللباب ...


(١) المصدر السابق (ص: ٥٨ - ٥٩).

<<  <   >  >>