للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقال أيضًا: "وقوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَآؤُوكَ} ليس تصريحًا ولا تلميحًا إلى جواز التوسل. والآية ناطقة بأن المجيء للظفر باستغفار الرسول صلى الله عليه وسلم، وذلك بداهة في أثناء الحياة لا بعد الموت. وللصوفية شطحات في هذا الموضع إن صدقوا فيها فهي أحوال توقف عليهم وليس لدين الله بها شأن، ومصادر التشريع معروفة، ولم نعرف من مصادر التشريع أنّ فلانًا الصالح رأى في منامه كذا وكذا، أو أن فلانًا المجذوب خيل إليه في أثناء زيارته للروضة النبوية كيت كيت ...

أما ذلك الذي يوجب التوسل ويرى أن تأثير الميت أقوى من الحي فهو رجل مخبول.

وزعمه بانتفاء الشرك ما دام الاعتقاد أن الفاعل هو الله كلام فارغ، وقد أبنّا أن المشركين القدماء كانوا يعرفون أن الفاعل هو الله، وأن توسلهم كان من باب {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى}، وأن ندمهم يوم القيامة إنما هو على تسويتهم المخلوق بالخالق {تَاللَّهِ إِن كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ إِذْ نُسَوِّيكُم بِرَبِّ الْعَالَمِينَ}، وهناك عشرات الآيات تؤكد هذا المعنى.

سيقول بعض الناس: إن القدماء كانوا يعبدون. أما عوام اليوم فهم يدعون ويسألون فقط، وشتان بين عباده الجاهلين وتوسل المحدثين بأولياء الله.

ونقول: هذه مغالطة، فالسؤال والدعاء بنص القرآن والسنة عبادة محضة: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ}، وفي الحديث «الدعاء مخ العبادة»، فلماذا نتوجه إلى البشر بما هو من خصائص الألوهية؟!

وإذا وقع الجهال في تلك الخطايا بغباوتهم، فلماذا لا نسارع إلى إنقاذهم منها، بدل تزوير الفتاوى؟!

وقد تذكر في هذا المجال قصة الأعمى الذي توسل إلى الله بنبيه صلى الله عليه وسلم ليرد إليه بصره. ومع أن القياس مع الفارق - لو صحت القصة - فهذا الأعمى دعا الله، وأولئك الحمقى يدعون غيره. إلا أن القصة نفسها ليست من قسم الحديث الصحيح، والاحتجاج بالآثار الضعيفة في العقائد والأحكام لا يقبل من صاحبه، ومثل هذه الرواية قد تروج عند الوعظ بفضائل الأعمال.

وآيات القرآن ينظر فيها إلى عموم اللفظ لا إلى خصوص السبب، وقد حرم الله الشرك على العرب فهو على غيرهم حرام.

فالقول بأن الآيات نزلت في أهل الجاهلية وحدهم جهالة لا نأبه لقائلها، ولا نقيم لها اعتبارًا. رزقنا الله صدق التوحيد، وأحيانا وأماتنا عليه" (١).


(١) المصدر السابق (ص:٨٧ - ٨٩).

<<  <   >  >>